يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..﴾ والماء سبب الحياة وخاصة في الصحراء حيث الجفاف الشديد، وندرة الأمطار والسيول ولذلك اتخذ المزابيون إجراءات متنوعة لاستغلال مياه الأمطار، وحفر الآبار، لفلاحة الأرض وإنشاء البساتين، فراعوا هذا الجانب في توزيع بناء قراهم على مساحة عشرين كيلومترا من أن يبنوها مدينة واحدة كبيرة يتجمعون فيها، وهذا بسبب الحروب وعدم الاستقرار لأنهم لا يأمنون على أنفسهم فهم في حالة دفاع، فاختاروا بناء قراهم على رؤوس المرتفعات ليتحصنوا فيها من أعدائهم، فتسهل عليهم مراقبتهم، وليوفروا الأراضي للزراعة، وتجمعهم في مكان واحد بجعل المسافات بين مدينتهم ومزارعها بعيدة، الأمر الذي يسبب إضاعة الوقت للفلاح يوميا. ولذلك بنوا مدنا متقاربة في أعالي المرتفعات لتسهيل الدفاع عنها، ولتوفير الأراضي الزراعية ولتشتيت القوى المهاجمة عليه حتى لا يعطوا فرصة القضاء عليهم.
ولتموين القرية بالماء حفروا آبارا في أعالي المرتفعات، وأطرافها وبداخل كل قرية، لضمان وجود الماء في حالة الحصار، ولأنهم يحتاجونها للشرب والغسيل، فنظموا توزيعها فحفروا بجانب المسجد بئرا رئيسية في أعلى قمة الجبل، وقسموها نصفين في أعلاه، قسم خاص بالرجال والآخر خاص بالنساء، أصبح الآن يُنتفع بها ولا يستغني عنها رغم امتداد شبكة المياه في داخل كل مدينة لكن انقطاع الماء الفجائي أو المنتظم أحيانا يجعل سكان القرية في مأمن أمام فقدان مورد الماء.
وفي وقتنا الحاضر أصبحت لآبار المسجد مضخات كهربائية وخزانات لا ينقطع منها الماء ليل نهار، وهذه الآبار الملاصقة للمسجد يشرف عليها العزابة، وينظمون أوقات استغلالها لأنها هي التي تضمن توفر المياه لميضأة المسجد، وفي كل سوق من أسواق المدينة بئر، كما تحفر الآبار بجوار كل قرية، وتغرس خلفها نخلة لتمتص المياه الضائعة من جراء السقي. وما تدر به تلك النخلة من ربح يكفل مصاريف حبل البئر وأدواته وما زال هذا المنظر من وجود نخلة خلف البئر موجودا. فهذه الآبار العامة يشرف على حفرها ورعايتها، وما تتطلبه من صيانة وتنظيم استغلالها هيئة العزابة في كل قرية، وقد يضطر العزابة إلى إلغاء بئر وتعويضها بأخرى إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، وقد يشركون جماعة العوام في اتخاذ القرار في هذا الشأن.
قال أحد علماء الاجتماع: "إن بنوك المزابيين هي الآبار" وتساءل الباحث "بوردیو" في دراسة اجتماعية حول مزاب عن ظاهرة الآبار الغريبة حسب ما اطلع عليه، تساهل قائلا: "كيف أن أناسا دخلوا عالم الاقتصاد الحديث من أوسع أبوابه وهم يحذقون الأساليب الفنية في هذا الميدان".
-بتصرف-
المصدر: كتاب نظام العزابة ودوره في الحياة الاجتماعية والثقافية بوادي ميزاب، صالح بن عمر سماوي، ص 163.
شاركنا بتعليقك