... ومما يجدر بالذّكر أنه مما تمتلئ به أسواق قرى واد مزاب من محصول الزراعة ما منه غالب قوت أهل الوطن عموما، من فاكهة الشتاء كالجزر واللفت والبصل، فنستطيع أن نقول: إنّه كان لهم الاكتفاء الذاتي في ذلك خاصة عندما يكون الماء متوفراً.
ومثل ذلك يقال في فاكهة الصيف من بطّيخ ودلاع وقرع بجميع أصنافه، وفلفل وبادنجان وملوخيا، وشتّى أصناف الفواكه الصيفية، فكان الرجل في الصيف يقوم في منتصف الليل أو قبله للزجر "أَجْبَادْ" هروبا من حرارة الشمس، وليسقي فواكهه بالماء حتى لا تغلبها الحرارة، وفي الصباح الباكر تمتلئ دكاكين الخضر بدواب الجالبين من الأجنة لتباع بأسعار معقولة على الخضارين حسب کثرتها وقلتها.
ومن الفلاحين من يستعين على عمله بأجير أو أجيرين أو أكثر حسب اتساع عمله، ومنهم من يتخذ مزارعا يدعى خماسا، لأنه في الغالب يتخذ للسقي ويأخذ خمس الغلة حسبما فعل النبيء ﷺ مع أهل خيبر، وحسبما كان عليه أهل المدينة، يعملون بحصة من الغلة على ذلك، وهو ما عبر عنها بـ «المساقاة والمزارعة».
هذا ما سار عليه الوطن قديما، أما في العهد الحديث فقد ظهرت المحركات واقتناها الناس لا لتلك الحروف –جمع حرف وهو مسيل الماء- والمزارع الواسعة وإنما لسقي حدائق النخيل والأشجار، وتقلصت الزراعة بل أصبحت معدومة لغلاء تكاليفها وقلة محصولها وانصراف الناس عنها للتجارة والصناعة، ولما تغيرت حالة المجتمع وانتشار المدنية ثم عقب الاستقلال ما أفتر عزائم الناس من الثورة الزراعية حيث قطعت آمالهم.
لكن بعد أن أولت الدولة العناية للأرض وفلاحتها وسنت قانون الاستصلاح ساهم المزابيون بقسط وافر في ذلك داخل الوطن وخارجه، ففي الداخل أراضي لعديرا وما قام بها استصلاح خاص كانت نتيجة الاكتفاء الذاتي في الخضر الصيفية وأنواع من الأشجار والكروم، فبعدما كانت مساحات جرداء تعد بالكيلومترات أصبحت الآن حقولا خضراء بمزارعها وأشجارها تتخللها حضائر تربية المواشي والدواجن.
أما ناحية النخيل والأشجار فهو أهم، فمما يلاحظ أن الأراضي الزراعية هي التي في الأماكن الواسعة، أما حدائق النخيل والأشجار فما كان على جوانب الأودية أو سفوح الجبال مراعاة للدفء وإمكان امتلائها بالسيول على نظام محكم من سدود تتفرع عنها سواقي تمر من وسط الأجنة لتأخذ منها كل حديقة حظها حسب اشتراك صاحبها في الساقية أو حسب اتساع حديقته، في نظام محكم غريب؛ وغابات وحدائق النخيل ثلاثة أنواع:
-بتصرف-
المصدر: كتاب بحوث ومحاضرات في الدين والحياة. الشهيد بالحاج بن عدون قشار. ص239-245.
شاركنا بتعليقك