لعل أروع أثر موجود استرعى انتباه المعاصرين سيما المعماريين الأوروبيين منهم، هو هذه الهندسة التي شيدت بها هذه القرى في مجموع والتوزيع المنظم الهادف لمرافق القرى حسب متطلبات أو حاجيات الإنسان وحده، وإذا قلنا هذا في القرى فإنه يظهر في الدور أكثر فأكثر، فمن المستحيل أن تكون الدور أو المدن بنیت اعتباطا هكذا بدون تفكير ولا تخطيط، والهندسة المعمارية - كما هو معلوم تعبير عن نوع من المعادلات وكل ما وجده الباحثون من الميزات في القرى أو في الدور يوحي بأن وراء هذه الروائع عقولا حصيفة ذات مستوى حضاري في أرقی مراحله، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون فيها للصدفة أثر، ويقول البعض سيتقدم الفن المعماري ويتقدم ولكنه سيجد أمامه هذا الفن الموجود هنا، وما من شكل أو قاعدة هندسية تخضع لها قوانين المعمار في مزاب إلا ولها ما يسندها في هذا الفن، فلا دخل للصدفة في كل ما نرى وسنسرد ملاحظات وجدت عندنا وأثارت إعجاب المعماريين المعاصرين.
توزيع القرى:
1. كيف وزع المزابيون قراهم على مساحة عشرين كيلو متر عوض أن يبنوا مدينة واحدة كبيرة يضعون فيها كل إمكانيتهم ويجمعون فيها جهودهم؟! إذ هم في حالة دفاع أو فرار من عدو يتوقعون دائما ملاحقته لهم؟! أهو الصراع القبلي؟ لا، لأن لهم عقيدة واحدة ومذهبا واحدا اعتنقوه وجاءوا إلى هذا المكان القاحل واختاروا أن يسكنوه.
والجواب الذي اختاروا لهذا التوزيع هو أهم وزعوه حسب الأرض التي تكفي لزراعتهم فالمساحات التي أخذها القرى متقاربة فلو أنهم تجمعوا في مكان واحد لبعدت المسافات بين قريتهم ومزارعها، وفي هذا ما فيه من إضاعة الوقت اليومي للعامل، وهذا ما يرمي اليوم المعماريون من عدم توسيع المدن فإن حياة الإنسان تكاد تكون سجنا في كبريات المدن بالعكس في القرى والمدن الصغيرة.
2. لماذا يبنون على الجبال ولا يبنون في الأرض السهلة؟! والجواب هنا بسيط، أولا: ضرورة الدفاع، ونكتة أخرى هي: المحافظة على الأرض التي يمكن زراعتها، فلا يمكن أن نأخذ من المساحة القليلة المستغلة زراعيا ولو مقدار ما نبني بها دارا، وإذا قلنا ذلك في توزيع الأراضي فلنقل ذلك في توزيع فروع الأودية التي أعطيت لكل قرية.
وإذا جئنا إلى داخل كل قرية وحدنا نظاما واحدا منبعا في كل القرى وهذا ما يوحي أنه كانت وحدة مسيرة لكل القرى.
المصدر: كتاب رسالة في بعض أعراف وعادات واد مزاب، الحاج أيوب إبراهيم بن يحي القرادي، ص35، 36.
شاركنا بتعليقك