إسهامات

كل العبادات من القربات والطاعات وأداء الواجبات لا قيمة لها ولا أثر لها في النفس إذا جُردت من الإخلاص التام لله تعالى، وبسبب هذا القدر من الأهمية والمكانة للإخلاص كان لزاما على المؤمن تجريد أعماله من كل الشوائب وتخليصها من كل الأقذار. فما هو الإخلاص؟ وكيف يتحقق؟ وما القوادح التي تقدح فيه؟

الإخلاص هو روح العبادة والعمل. والعمل إن تجرد من الإخلاص كان أشد نتنا، وأقبح مظهرا من الجثة التي تفقد الروح، ذلك لأن قيمة العمل إخلاصه، وقد عرف بأنه تصفية الأعمال من شوائب القصد بها غير وجه الله تعالى، وقيل هو سر بين العبد وربه، وقد جاء في الكتاب العزيز ما يدل على أن الإخلاص هو روح هذا الدين، وجوهره وسره، وعدم الإخلاص هو الشرك الخفي، وهو المقصود بقوله تعالى: ﴿وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبـِّهِ أَحَدًا الكهف: 110.

ولا ريب أن للإخلاص دورا عظيماً جداً في تزكية النفس. وصقل الروح، وتهذيب الوجدان، وارتقاء المشاعر، وتطهير القلوب من جميع الأدناس والأرجاس لأنه كما قيل روح العمل التي بها يحيى، وقلبها النابض بالحياة، وهو ذو ثمار يانعة دانية، يبنيها الإنسان في الدار الدنيا وفي العقبى ﴿وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى الأعلى: 17.

وعلى الإنسان أن تكون أعماله كلها خالصة لوجه الله، لا أن يريد بها شيئا مما يريده الناس في هذه الحياة الدنيا من التوصل إلى السمعة والشهرة، والثناء المنتشر بين الناس، ولا إلى شيء من المكاسب الدنيوية المادية أي لا يتوصل الإنسان بعمله إلى مكسب مادي، ولا إلى مكسب معنوي. بل الأعمال تكون كلها خالصة لوجه الله يقول سبحانه: ﴿وَمَآ أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البينة: 5. أي مخلصين له الطاعة فلا يشرك الإنسان في عمله أحدا من الناس بحيث يريد أن يتقرب إليه مع الله أو منفعة من المنافع بحيث يعمل ذلك العمل من أجل تلك المنفعة، وأن الأعمال كلها يجب أن تكون خالصة لوجه الله لذلك كان إخلاص الطاعة في كل العبادات أي كل القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى أمرا لا بد منه حتى يتزكى هذا الإنسان.

ويقف الشيطان اللعين للإنسان بالمرصاد، محاولا جهده أن يفسد عليه عمله، باذلا كل طاقاته لبث الوساوس في نفس الإنسان، وتحريك مشاعره وأحاسيسه من حيث الإعجاب بعمله، أو الاغترار بما يقدمه من جهود وأعمال خيرية، وينفث فيه الرغبة الجامحة في لفت نظر الآخرين، ومن ثم ثناؤهم عليه، أو تقديرهم لشخصه واحترامهم لهم، أو يستغل ضعفه الفطري من حيث حب المال والجاه، فيقول له: لو عملت كذا وكذا من الخير لكان أدعى إلى أن تعطى المنصب الفلاني، أو توهب شيئا من المكافآت المادية، والحطام الزائل، أو سيقدمك الناس عليهم، ومن هنا كان على الإنسان أن يكون أشد ما يكون احتراسا من فساد عمله ومن دخول الشيطان الرجيم إلى قلبه فيغلق عليه جميع المنافذ.

إن القلب يقع بين جزر ومد، تطغى عليه مؤثرات نفسية ومؤثرات أخرى فيتزعزع ويتزلزل، وطبيعة الإنسان الضعف، الإنسان ضعيف جدا، وإنما عليه أن يعتصم بالله، ولذلك الله تبارك وتعالى أمر أن يفزع الإنسان إليه مستعيذا بالله سبحانه وتعالى من الشيطان الرجيم يقول عز من قائل: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اِنَّ الذِينَ اتَّقَوِا اِذَا مَسَّهُمْ طَآئِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ الأعراف: 200-201، فالإنسان مأمور أن يلجأ إلى ربه سبحانه وتعالى مع إحساسه بمثل هذه المؤثرات التي تطغى على نفسه.

-بتصرف-

المصدر: كتاب من معالم الفكر التربوي عند الشيخ أحمد الخليلي، د. زايد بن سليمان الجهضمي، ص 198-200.

شاركنا بتعليقك