إسهامات

إنّ الميزان الذي بيّن الله لخلقه هو العدل، والحقّ الذي وضعه بين خلقه يوم ﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا يس: 54. كما قال: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ الممتحنة: 3 وقال: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الأعراف: 8.

وقال في الأنبياء عليهم السلام: ﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ الحديد: 25.

فالميزان هنا يعني: العدل بين عباده، فبه أرسل الله الرّسل، وهل سمعتم أحدا من الرّسل أرسله تاجرا ممسكا للميزان يضرب به ؟!

والمعروف من كلام النّاس أنّهم يقولون بعضهم لبعض: اجعلوا بيننا وبينكم ميزانا يعدل بيننا، يعنون قاضيا عدلا، مع أنّه إنّما يحتاج الميزان المعقول من لا يعرف مقدار الشيء حتّى يضعه في الميزان. وأمّا علاّم الغيوب فميزانه العدل بين خلقه بما علم منهم لأّنه يحكم فيهم بسرائرهم وما تخفي صدورهم مع أنّ أفعال العباد أعراض لا تجرى عليها الخفّة والثقالة، ولا الإعادة ولا البقاء فيعاد في الآخرة.

وأمّا ما ذكروا عن عمود الميزان وكفّتيه، فالجنّة والنّار كفوف لميزان الله، كفّة هؤلاء الجنّة وكفّة هؤلاء النّار، والعمود ما اعتمد عليه من الحقّ والعدل.

نستخلص في رأي الإباضيّة أنّ مرادهم بالصّراط المستقيم، هو دين الله القيّم الذي افترض على عباده والعدل الذي أنزله، (وهو دقيق لا يوافق الملك، ولا الهوى، ولا الشّهوات، ولذلك شبّهوه بحدّ السّيف المرهف) وبعبارة أخرى فإنّ الصّراط هو الدّين، والدّين دقيق لا يميّزه إلاّ ذو الحجى والنّهى.

وأمّا الميزان فهو عندهم العدل والحقّ الذي وضعه الله بين خلقه يوم القيامة ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا الأنبياء: 47، في ذلك اليوم وقال الله في الأنبياء ﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ الحديد: 25 والمراد من ذلك، العدل بين عباده، وهذا بخلاف معنى الميزان الذي يذهب إليه المخالفون لهم من أهل السنة، من اعتباره ميزانا حسّيا توزن فيه أفعال العباد.

وقد تأوّل جل الإباضيّة معاني الصراط والميزان واعتبروها مجازية أخرجوها من دلالاتها اللفّظية الواضحة. وهو ما يلاحظ عندهم كذلك بخصوص استواء الله على العرش.

إذن فالمقصود بالميزان هو العدل الذي وضعه بين خلقه يوم ﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا يس: 54 يعني العدل والحقّ بين خلقه بما علم منهم، لأنّه يحكم فيهم بسرائرهم وما تخفي صُدُورُهُم، مع أنّ أفعال العباد أعراض لا تُجرى عليها الخّفة والثّقالة، ولا الإعادة، ولا البقاء فيعاد في الآخرة. وهو يرى أنّ عمود الميزان وكفتيه هما الجنّة والنّار، وهما كفوف لميزان الله، كفّة هؤلاء الجنّة وكفة هؤلاء النّار. والعمود ما اعتمد عليه من الحق والعدل.

وخلاصة القول أنّ الإباضيّة يقولون: إنّ الميزان ليس بحسّي والله غنيّ عن الافتقار إليه، وإنما هو تمييز معنوي للأعمال ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الأعراف: 8 والأعمال ليست بأمور محسوسة حتّى توزن بميزان من نوعها.

-بتصرف-

المصدر: كتاب "أصول الدين"، تبغورين بن داوود بن عيسى الملشوطِي.

شاركنا بتعليقك