إسهامات

لقد علم الله سبحانه وتعالى بعلمه الأزلي بأن عباده من المسلمين سوف يهجرون القرآن وسيؤدي ابتعادهم عن كتاب الله إلى تفرقهم وتشرذمهم، بل حدوث التصادم بين الفرق المختلفة التي اتبعت كل فرقة منهم مذهبًا أو عقيدة صاغها مفهوم بشري، ونقلها رواة من قصص لا تتوافق في كثير من الأحيان مع القرآن الكريم، ونسبوها إلى رسول الله ﷺ زورًا وظلمًا، فلم يكن الأنبياء في مختلف العصور أو الرسل أن منحهم الله حق التشريع، ولو حدث ذلك فسوف يحدث تصادم بين تشريع الخالق رب السموات والأرض العليم الخبير وبين الرسل والأنبياء، الذين هم بعض من خلقه لا يملكون حق التشريع إنما أمرهم سبحانه بحمل رسالته للناس كما هي دون إضافة أو حذف أو تعديل ولذلك:

1. أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وحبل الله هو القرآن، وهو يعلم سبحانه بأنه بعدم اتباع القرآن ستحل الفُرقة بين المسلمين، ولذلك حثَّ سبحانه عباده بالالتزام والتقيد بالقرآن الكريم حتى يمنع أسباب الفُرقة.

2. لقد جاء في سورة الجاثية الآية: 6 ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ إنه تحذير واضح وتحدٍّ بعدم اتباع أية روايات أو أحاديث أو مفاهيم بشرية تخالف كلام الله، وتم إضفاء القدسية على تلك الروايات وما فيها من تناقض صادم في بعض الأحيان لآيات الله، فالله يريد لعباده التمسك بما جاء في كتابه العزيز ليحميهم من الوقوع في الصراع والتقاتل، ويريد لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن تكون لهم مرجعية واحدة وهي القرآن فقط.

3. لقد جاء في سورة الفرقان الآية: 30 ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا لتؤكد هذه الآية الكريمة بأن رسول الله سوف يشتكي المسلمين إلى الله بأنهم هجروا القرآن، منبهًا ومحذرًا بخطورة الابتعاد عن التقيد بأوامر الله وتشريعاته فيما نص عليه القرآن الكريم دستورًا من الله لعباده ليضيء لهم طريق الحياة، ويعينهم على تحقيق السعادة في الدنيا، ويؤمن لهم حياة طيبة في الآخرة ويسكنهم جنات النعيم. وإذا كان رسول الله ﷺ يشتكي لله أمّة الإسلام بأنهم هجروا القرآن تحذيرًا للمسلمين بعدم تصديق أو اتباع أية روايات تواترت على مر السنين، تدعي على لسان رسول الله افتراء وكذبًا ما لم يقله بغية تحقيق مصالح دنيوية تدعم السلطان وتهدم مرجعية القرآن من قبل أعداء الله وأعداء المسلمين.

4. لقد وضع الله سبحانه وتعالى تشريعًا لخلقه مبنيًّا على حرية الاعتقاد والعدالة بأعظم صفاتها، حيث يقول سبحانه ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وآية أخرى في سورة يونس: 99 يخاطب نبيه ﴿ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ويؤكد في آية: 22 من سورة الغاشية ﴿ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ، ويوضح صلاحيات الرسول ﷺ: " لست عليهم بحفيظ " و" لست عليهم بوكيل "، فمن أعطى لأي مخلوق حق أن يكون قاضيًا في حق الله، يكفر من يكره ويزكي بالتقوى لمن يحب؟ كيف غابت تلك الآيات الكريمة عن الذين نصبوا أنفسهم قضاة على العباد يقضون فيما لا يحق لهم، ويحكمون ظلمًا على الناس ويمارسون القتل ضد من يكفرونه.. كيف عميت أبصارهم عن كلام الله الذي لا يقبل التأويل أو التفسير، أحكامه واضحة جلية حدد فيها المولى عز وجل مسؤولية الأنبياء ومسؤولية خلقه، من خلال استقبال الرسالة وتبليغ الأنبياء لهم بأن يختاروا الدين الذي يريدون بمنتهى الحرية، وأن حسابهم عند الله جميعًا ﴿ كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ ولم يمنح الخالق سبحانه أي نبي أو رسول أن يشاركه في التشريع لخلقه، فاحتفظ بحق التشريع لنفسه فقط، وترك للأنبياء والرسل التبليغ والشرح والتوضيح لمراد الله في كل آية من كتابه الكريم.

  • احترام العقل وتنميته:

لقد أمرنا الله في محكَم كتابه بالتدبر واحترام العقل وتنمية الفكر والارتقاء به وتنقيته من الخرافات والأوهام وأحكام المنطق، ومرجعية القرآن وما فيها من دلالات تؤكد للناس أن يحرروا عقولهم ولا يرتهنوا لمقولات تواترت عبر القرون، ولا يقدسوا أناسًا مهما بلغ علمهم فإنهم بشر يخطئون ويصيبون، وما صاغته أفهامهم عبر القرون الماضية حسب قدراتهم الفكرية وحسبما أملت عليهم ظروفهم الاجتماعية، وقد وضع الله سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة تأمرنا جميعًا بأن نستنبط حلولاً تتوافق مع كل عصر نابعة من القرآن الكريم، تأسيسًا لقوله تعالى في سورة البقرة: 134 ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذلك قول فصل وأمر للناس بأن تجتهد كل أمة في كل عصر بما تحقق مصالحها الحياتية، فلن نسأل عمن سبقنا وكل سيحاسب بما كسبت يداه فلن يشفع لنا من عاش قبلنا، ولن تقينا أفهام وتفاسير من سبقونا، إنما يشفع لنا ما قدمناه لأنفسنا والناس في عصرنا الذي نعيشه. وقوله تعالى في سورة آل عمران: 191 ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ إنها دعوة للتفكير، حيث يضرب الله لنا مثلاً عن الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، إذ علينا أن نتبعهم في البحث والتدبر لما يتحقق بذلك من نتائج تفيدنا على تأصيل اعتقادنا وتقوية إيماننا، وترتقي بمجتمعاتنا وتضيف للإنسانية عناصر التطور والتنمية لرفعة شأن الإنسان في كل مكان، حيث مرجعيتنا القرآن رحمة وعدل ومحبة وسلام.

  • المتآمرون على الإسلام:

كيف استطاع المتآمرون على الإسلام وأعداء الله أن يزرعوا روايات وأحاديث تتعارض مع قيم القرآن وسماحته، كيف استطاعوا أن يغرقوا العقول في مستنقعات الفتنة والفرقة، والله يدعو للتعاون والبر والرحمة والتسامح والمحبة؟! كيف استطاعوا أن يمزقوا وحدة الرسالة إلى مرجعيات متناحرة متقاتلة كل منهم يبحث عن سلطة ومغنم ووجاهة؟! كيف استطاعوا أن يجعلوا منا معاول لهدم دين السلام والمحبة ويحولونا إلى وحوش كاسرة فقدت كل قيم الإنسانية وأهملت ما جاءت به رسالة الإسلام من عدل وسلام ورحمة؟! والسبب هو أننا هجرنا القرآن الكريم ولم نجعله مرجعيتنا الوحيدة. ولذا يحذرنا القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا بقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا .

  • ختامًا: المطلوب من علماء المسلمين:

وهذه الآية تستدعي علماء المسلمين وفقهاءهم للتعمق في التهمة العظيمة التي يوجهها الرسول لأمته الإسلامية، ويشتكيهم إلى الله بأن أمته هجرت القرآن فتاهت وضاعت وتفرقت بها السبل ذلك يوم سيحاسب الله عباده يوم القيامة، فكيف نستطيع أن ندفع عن أنفسنا تلك التهمة ومن سيحمينا من غضب الله علينا. وعلى علماء المسلمين أن تتوافر لديهم الشجاعة ولا تأخذهم في الله لومة لائم بأن يبحثوا في أسباب هذه التهمة، وكيفية تصحيح موقف المسلمين للفوز برضا الله ورحمته.

-بتصرف-

المصدر: موقع جريدة التحرير

(1) تعليقا

19 فيفري 2023

للاسف ان ناقشت هذا الموضع في عصرنا الحالي سيعتبرونك مجنون و لا تؤمن برسول الله و و ... وحتى لو قرأت عليهم أيات من القرٱن لا يكادون يسمعونهغ حتى ( انا جلعنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه و في ٱذانهم و قرا )

شاركنا بتعليقك