إسهامات

1. كلمة "لا إله إلا الله" هي لبُّ ما أنذر به الرسل وخلاصته:

بيَّن الله تعالى أنه بعث رسله بالوحي مبشرين ومنذرين، وبيَّن سبحانه أن الإنذار بــ: "لا إله إلا الله" هو خلاصة الوحي الذي بعثهم به، ولبُّ القضية التي أُرسلوا بها، وهذا قوله سبحانه: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ النحل: 2.

ففي هذه الآية الكريمة بين سبحانه وتعالى أنه يُنزِّل الملائكة بالوحي على الرسل لينذروا كلهم بقضية مشتركة وهي أنه: "لا إله إلا الله".

فحرف (أن) من قوله (أن انذروا) هي (أن) المفسِّرة وهي تفسير لفعل "يُنَزِّلُ"، و"واو" الجماعة في قوله تعالى "أنذروا" ترجع إلى الرسل كُلِّهم بدون استثناء، فحقيقة ما أنزل الله تعالى على عباده، وبعث به كل رسله هو الإنذار بكلمة "لا إله إلا الله". هذه هي المهمة التي أُنيطت بالرسل الذين اصطفاهم الله تعالى لحمل رسالته، فالمهمة واحدة والإنذار واحد والقضية مشتركة، وكأن الله تعالى خاطب الرسل كلهم في نفس الموقف وفي نفس اللحظة وبعثهم بنفس القضية، فانطلق كل منهم منذرا إلى قومه بلسانهم أنه "لا إله إلا الله"، وقد أكد الله تعالى هذه الوحدة في الدعوة في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ الأنبياء: 25.

2. كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أول ركن في الإسلام:

تواتر عن النبي ﷺ، أنه كان إذا أتاه شخص يريد الإسلام أمره أولا أن ينطق بالشهادتين، وقد ثبت عن النبي  أنه كان إذا بعث بعض أصحابه للدعوة إلى الإسلام أمَرَهم أن يأمُروا الناس أوّلا أن يشهدوا "أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ﷺ"، وقد تواتر هذا الأمر إلى يومنا هذا؛ فأوّل ما يؤمر به البالغُ شهادةُ "أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ﷺ"، فالشهادة أول ركن في الإسلام قبل الصَّلاة والعبادات وغير ذلك، و "لا إله إلا الله" هي الكلمة السواء التي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ آل عمران: 64. فهذه الكلمة هي "لا إله إلا الله".

إن الكلمة في اللغة تُطلق على المفرد والجملة فصاعدا، كقوله تعالى: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمُ الكهف: 5 مع أنهم قالوا جملة بيَّنها في قوله: ﴿..َقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا الكهف: 4.

3. هل الاعتراف بأن الله تعالى هو الخالق والرازق يُدخلنا الإسلام؟

البوابة التي بها يكون الدخول في الإسلام في قولنا: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ﷺ"، لكن؛ هل يمكن أن نُغيِّر كلمةَ "إله" بأي صفة من صفات الله تعالی أو اسم من أسمائه؟ هل يمكن أن يدخل أحد في الإسلام بقوله مثلا: "أشهد أن لا خالق إلا الله"، بدلا من "أشهد أن لا إله الا الله"؟

لو طرحنا سؤالا على شريحة واسعة من الناس في العالم الإسلامي وهو: هل قلت كلمة "لا إله إلا الله" في بداية التكليف؟ سيجيب الجميع، "نعم"، ولو سألنا كل فرد منهم بعد ذلك ماذا تقصد بقولك "لا إله إلا الله"؟ الكثير منهم سيقول أقصد بذلك أنني أقر وأعترف بأن الله تعالی موجود وأنه وحده هو الخالق، وهو وحده الرازق ...، لكن هل هذا الفهم لهذه الكلمة صحيح. أكيد: لا، بل هو فهم مخالف لما كان يفهمه العرب في عهد الرسول ﷺ من هذه الكلمة، فلو فهم كفار مكة أن كلمة "لا إله إلا الله" اعتراف بأن الله تعالی موجود وأنه وحده هو الخالق وهو وحده الرازق -كما يفهم أكثرنا- لما عارضوا الرسول ﷺ كل تلك المعارضة الشرسة التي بلغت بهم إلى ما بينه الله تعالى في قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ الأنفال: 30، فقد بين الله تعالى أن كفار مكة لم يكن لديهم أي إشكال في الإقرار بأن الله تعالى وحده هو الخالق الرازق كما سيأتي.

4. كفار مكة كانوا يُقرُّون بأن الله تعالى وحده هو الخالق الرازق:

بيَّن القرآن الكريم أن كفار مكة لم تكن لديهم مشكلة الاعتراف بأن الله تعالى هو وحدة الخالق الرازق؛ قال تعالى عنهم: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ العنكبوت 61-63. فقولهم "الله" يدل على حصرهم الخلق والرزق لله تعالى وحده لأن كلامهم في سياق الجواب، وهو دال على الحصر كما هو معلوم، فهم لا يُشركون أوثانهم مع الله تعالى في الخلق والرزق بل يقولون عن أوثانهم كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ الزمر: 3، فهم يعترفون بوحدانية الله تعالی.

ويقول الله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ يونس: 31 فيبين الله تعالى إقرارهم بأن الله تعالى وحده هو الرازق والمالك للسمع والأبصار والمحيي والمميت والمدير لكل الأمور، بل حتى الشيطان اعترف بأن الله تعالى هو الذي خلقه، ففي القرآن الكريم على لسانه: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ص: 76.

5. كلمة "لا إله إلا الله" هي سبب خصومة الأقوام لرسلهم:

ما دام كفار مكة يقرون بكلمة "لا خالق ولا رازق إلا الله" ويعترفون بأن الله تعالى هو وحده الخالق والرازق والمنعم والمتصرف والمحيي والمميت والمالك للسمع والأبصار، فما هي مشكلتهم إذن مع الإسلام، ومع الرسول ﷺ؟

إنها مع كلمة "لا إله إلا الله" فقد بين الله تعالى رفضهم القاطع للاعتراف بها، قال تعالى عنهم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ الصافات: 35. فما معنى كلمة لا إله إلا الله؟ وماذا كان العرب في عهد الرسول ﷺ يفهمون من هذه الكلمة الواحدة والوحيدة التي كانت مدار دعوة حبيبنا محمد ﷺ كما هو معلوم من الكتاب والسنة؟ ولماذا سببت هذه الكلمة كل تلك الخصومة من قريش حتى بلغ بهم الأمر إلى أن يقاتلوا أفلاذ أكبادهم ويعذبوهم ويخرجوهم من ديارهم من أجل أن يتخلوا عنها؟ ولماذا كلفت هذه الكلمة كل تلك التضحيات من أتباع الرسول ﷺ مهاجرون تركوا أموالهم وأوطانهم وهاجروا من أجل هذه الكلمة، وأنصار عرَّضوا أنفسهم وأموالهم وأهليهم لتكالب الكفار عليهم، وتقاسموا كل ما يملكون مع المهاجرين، كل هذا من أجل تلكم الكلمة.

المصدر: كتيب هكذا فهم الصحابة الإسلام، سعيد بن يحي ويرو، ص 09-14.

شاركنا بتعليقك