إسهامات

يقول الدكتور مصطفى محمود: إن إشكالية الشفاعة موضوع قديم تناولته الفرق الإسلامية وخاض فيه المفكرون من كل اتجاه... وسبب الإشكال -كما يقول الدكتور- أن القرآن ينفي الشفاعة في الكثير من آياته المحكمة نفيا مطلقا وفي آيات أخرى يذكرها مقيّدة ومشروطة بالإذن الإلهي، بينما تروي لنا الأحاديث النبوية بأن سيدنا محمدا ﷺ يقف شفيعا يوم القيامة للمذنبين ولأهل الكبائر من أمته وأن الله سبحانه وتعالى يقبل شفاعته. وهنا يقف المسلمون أمام الاختيار الصعب بين النفي القرآني وبين ما جاء في السنة، وما ترويه الأحاديث عن أن سيدنا محمد ﷺ سوف يخرج من النار كل من قال: لا إله إلا الله ولو زنا ولو سرق ..؟ هكذا يقول الحديث وهو ما يخالف صريح القرآن.. فالقرآن يقول في محكم آياته: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا النساء: 145.

والمنافقون هم الذين يقولون لا إله إلا الله في كل مناسبة وتنطق ألسنتهم بما يخالف سرائرهم، وهم في الدرك الأسفل من النار ولن يجدوا لهم نصيرا بصريح القرآن الكريم، ولن ينجو من المذنبين إلا من تكرّم عليه ربّ العزّة وفتح له بابا للتوبة قبل الممات ... إذن الوسيلة الوحيدة للنجاة من العقاب هي أن يقي ربنا عباده من الوقوع في السيئات أصلا أو يفتح لهم باب التوبة في حياتهم إذا تورطوا فيها .. وهذه -كما يقول الدكتور مصطفى محمود- هي أبواب الشفاعة الممكنة، وهي دعاء النبي ﷺ لمسلمي هذه الأمة بأن يختم حياتهم بتوبة ... وأما الشفاعة بمعنى هدم الناموس وإخراج المذنبين من النار وإدخالهم الجنة، فهي فوضى الوسايط التي نعرفها في الدنيا، ولا وجود لها في الآخرة. وكل ما جاء بهذا المعنى في الأحاديث النبوية مشكوك في سنده ومصدره، لأنه يخالف صريح القرآن.

ولا يعقل من نبي القرآن أن يطالب بهدم القرآن، ولكن المسلمين الذين عرفوا بالاتكالية قد باتوا يفعلون كل منكر ويرتكبون عظائم الذنوب اتكالا على نبيهم ﷺ الذي سوف يخرجهم في حفنة واحدة من النار ويلقي بهم في الجنة بفضله وكرمه ... ويقول الدكتور مصطفى محمود مع الأسف الشديد أننا نقرأ كتب السيرة والأحاديث بتسليم مطلق، وليس غريبا أن تمتلىء هذه الكتب بالمدسوس من أحاديث الشفاعة فنقرأ في أحدها أن النبي ﷺ يدخل بشفاعته إلى الجنة رجلا لم يفعل في حياته خيرا قط، ويكون هذا الرجل هو آخر الداخلين إلى الجنة ... وما الهدف من أمثال هذه الأحاديث المدسوسة سوى إفساد الدين، والتحريض على التسيب والانحلال وفتح باب الجنة (( سبهللة )) للكل؟ .. ومرويات كثيرة رواها أصحابها بلا عدد وبلا حصر وأحيانا بحسن نية ظنا منهم أنهم يزيدون بها في تمجيد النبي ﷺ، ويرفعون مقامه عند ربه، وينسون أنهم بكلامهم يفسدون جلال المشهد ويهدمون جدية اللحظة التي تشيب لها الولدان وتزيغ فيها الأبصار وتنعقد الألسن وتتزلزل الأقدام وتذهل كل مرضعة عما أرضعت.

ويتساءل الدكتور مصطفى محمود: هل هذه لحظة يساوم فيها النبي ربه لإخراج رجل من النار وإدخاله الجنة، وهو لم يفعل خيرا قط في حياته ؟؟؟ إن لم يكن هذا هو الهزل فماذا يكون؟ وحاشا لله .. ما كان لرسولنا العظيم أن يفعل هذا .. إن هو إلا تخرصات وأكاذيب وأقوال مدسوسة ...

فكل مجرم قد تحدد مكانته من قبل في النار واختصت به واختص بها، وهذا يؤكد أن كل ما ذكر عن إخراج الرسول ﷺ بشفاعته للبعض من النار وإدخالهم الجنة مشكوك في صحته .... وقد سئل الدكتور مصطفى محمود عن المقام المحمود فقال: أننا لا نعلم موجبات هذا المقام ولا حدوده فهو سر من أسرار الله سبحانه وتعالى، والجدل فيه هو جدل بغير علم ولا نخوض فيه ونرى أن التفويض فيه أسلم ..........

-بتصرف-

المصدر: كتاب الشفاعة لمصطفى محمود.

شاركنا بتعليقك