في غرفته التي اختارها بنفسِه، جلس مُغمَض العينَين يتأَرْجح على كرسيِّه، يشاهدُ عبر الذكرى تاريخًا مجيدًا من الكفاح والإنجاز، كان سعيدًا رغم وخزَاتِ ألمٍ تنتابه كلَّ حين عندما يلتفتُ حولَه فيجد نفسَه خلوًا من الأحباب ورُفقةِ الطريق.
فليكن، ها أنا أحقِّق حلمَ الثراء، وغدًا يتحقَّق حلمُ المجد، ها أنا أجوب العالمَ كلَّ عام مستمتعًا بكلِّ مباهِج الدنيا، مستصحبًا طموحًا لا يهدأ بأن أكون يومًا حديث العالم ومحطَّ أنظارهم.
ومع ابتسامة رضًا يلتفت سريعًا بوجهه، وببطءٍ تتباعدُ أجفانه كي تستقرَّ نظراته على ذلك الشيء في ركنٍ من الغرفة، لقد كان أول ما أخرجَ من حقيبته الجلديَّة الغالية، آخر وأهم ما اخترعَ خلال السنوات الأخيرة.
ترى هل سيتحقَّق حلمُه ويصير اختراعُه علَمًا عليه، يجيب تساؤلات عقلِه بأنه سينجحُ بالتأكيد ما دام يملك الإرادةَ، هكذا تقول قصص الناجحين التي أمدَّتْه بلهيبِ النيران في قلبه.
الآن بعد أن عبَّأ صدرَه بأنفاسٍ عميقة، يخرج إلى شرفته كي يقف قبالةَ الحلم الذي استوى في عقله، تلك المياه المالحة التي تفورُ أمامه وتداعبُه بشيء من الخفَّة، وَيْحكِ سأنتصر عليكِ، هذا أمَل أعيش عليه؛ أن أجمع بين راحتَين في كفِّي؛ ترَف العيش ونفع الناسِ.
يتأمَّل قليلاً ويحدِّث نفسه: لا بد من مدِّ الجسور بينهما، لا بد أن تتصلَ أنابيب الجهاز العطشَى بمياه البحر الرائقة؛ كي أرى مستوى التحلية كيف يكون، سيكون فتحًا وسيتهافَت الجميع على الجهاز كي يقوموا بتحلية المياه المالحة إلى أخرى عذبة سائغة، يا له من حلمٍ قريب!
سيكون عليَّ إحداثُ خرقٍ بسيط في حجرتي كي تتسلَّل المياه من خلاله، خرق بسيط لن يؤثِّر في السفينة الحصينة شيئًا، وسيمكِّنني من إجراء تجربتي.
يحاول إحداثَ الخرق بآلةٍ صغيرة في يده، لكنَّها كانت كافية لأن يسمعها جارُه الذي يتطلع من نافذته ليرى ما الخبر، فيبصر رجلاً يطرق أرضَ الحجرة، يرتفع حاجِبَا الجار من الدهشة والخوفِ ويُتَمْتم لنفسه: ما الذي يفعله هذا الأبْلَه؟ سيهلكنا جميعًا لو تركتُه!
في دقائق معدودة يواجه الرجلُ رجالَ الأمن الذين يقودونه إلى موضعٍ صغير في السفينة، يُسجن فيه إلى حين الوصول إلى الميناء؛ حيث سيسلَّم الثريُّ المخترِع إلى مركز الشرطة في مدينةٍ بعيدة.
المصدر: موقع الألوكة الثقافية
شاركنا بتعليقك