إسهامات

أحرَزَتْ تفوُّقا ملحوظا على جمْع من الدُّول، يكفي أن نذكر أنها حصلت على المرتبة الأولى في حين حصلت فرنسا على المرتبة الرابع عشرة!

ليست المنافسة رياضية ولا هي فنيَّة، بل هي منافسة تربوية جمعت دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية  في مقارنة جادَّة لبحث أفضل السُّبل الموصلة لتحسين طريقة الأداء التربوي، وكانت (فنلندا) متصدِّرة للقائمة، إذ لوحظ التفوُّق الواضح لتلاميذ هذا البلد في المواد العلمية والأدبية، بُحث الأمر، فوجدوا أن السرَّ تلخِّصه وسيلة تربوية جديدة عنوانها (الخريطة الذهنية).

أولا: ماهية الخريطة الذهنية

الخريطة الذهنية هي وسيلة حديثة وأسلوب مبتكر نعبِّر فيها عن أفكارنا عبر مخطَّط نقوم برسمه باستخدام الكتابة والصور والرموز والألوان عوض الاقتصار على الكلمات فقط، فنربط معاني الكلمات بالصور، ونربط المعاني المختلفة بعضها ببعضإذن: كونها خريطة فلأنها تشبه الخريطة في التوضيح العام، وكونها ذهنية لأنها تشبه في طريقة عملها عمل الذهن.

ثانيا: فوائد استخدام الخريطة الذهنية

  • الخريطة الذهنية تمكِّننا من قراءة المعلومة بكامل الدماغ، بفصَّيه الأيمن والأيسر، فترفع بذلك من كفاءة التعلُّم والاستيعاب، ومن ثمة يتمُّ تخزين المعلومات في الدماغ لأطول مُدَّة ممكنة، لأنها جمعت بين الصور والكلمات، وربطت المعاني المختلفة بعضها ببعض عن طريق الفروع المستخدمة في رسمها. ولهذا السبب نجد تشابها كبيرا بين شكل خلية عصبية وشكل الخريطة الذهنية مثلما هو موضَّح في (الشكل:1) الذي يمثِّل عصبونا و (الشكل:2) الذي يمثِّل خريطة ذهنية فارغة.
  • سهولة الوصول للمعلومة، وسرعة مراجعتها بشكل أسهل عن طريق الرجوع للخريطة الذهنية بدلا من الرجوع لمعلومات مكدَّسة في عشرات الأوراق.
  • تعطينا صورة شاملة عن الموضوع الذي نريد دراسته أو التحدُّث عنه، فمستخدم الخريطة الذهنية يكون محيطا بالموضوع من جميع جوانبه، ويضمن بذلك تغطية جميع نقاط الموضوع بشكل منظم.
  • تمكِّننا من وضع كل أفكارنا وما يدور في أذهاننا وأكبر قدر ممكن من المعلومات عن الموضوع في ورقة واحدة.
  • تساعدنا على ترتيب المعلومات وتصنيف المفاهيم.
  • تسهِّل لنا معرفة النقطة التي وصلنا إليها سواء في الحفظ أو البحث أو التخطيط دون نسيانها.
  • تمكِّننا من ربط المعرفة الجديدة بالمعارف السابقة، بطريقة تمكننا من الاطِّلاع عليها دفعة واحدة وبشمولية.
  • توالي الأفكار في ذهنك بعد قيامك بأول خطوات رسم الخريطة الذهنية، أفكار قد لا تظهر لك لو اعتمدت على الكتابة المباشرة، والسبب أنك قمت تعمل بنفس طريقة عمل دماغك!
  • القدرة على إضافة المعلومات أو حذفها.
  • وأخيرا: الخريطة الذهنية تنمِّي فيك النشاط الإبداعي ومهاراتك العقلية.

ثالثا: تطبيقات الخرائط الذهنية

كل واحد منا بإمكانه الإستفادة من الخريطة الذهنية وتوظيفها لصالح تنمية مكتسباته القبلية، واستخدامها لا يقتصر على الدراسة فحسب، وإنما نستطيع توظيفها في كل أمور حياتنا باختلاف توجُّهاتنا وأعمارنا واهتماماتنا، ونلخِّص ذلك فيما يلي:

  • تلخيص الكتب والمستندات والمحاضرات المكتوبة.
  • حوصلة نتائج المحاضرات السمعية.
  • التخطيط للمشاريع العلمية والاجتماعات العملية والمقابلات الصحفية.
  • الإلمام بنقاط الحوار عن بعد في المكالمات الهاتفية أو الدردشات.
  • التفاوض مع الطرف الآخر بغية إقناعه والتأثير فيه.
  • التخطيط للمناسبات الاجتماعية والرحلات السياحية والأسفار.

رابعا: الخريطة الذهنية وسيلة تربوية فعَّالة

كثيرة هي الوسائل المساعدة على الفهم والاستيعاب والحفظ، أحيانا تتعلَّق بالمعلِّم بغية إيصال الفكرة للمتعلِّم، وأحيانا يستخدمها المتعلِّم للحفظ والمراجعة والتلخيص. فيمكن للمعلِّم أن يضرب مثلا أو أن يسرد قصة أو يحكي موقفا، أو يستخدم حركة أو عرضا سمعيا أو بصريا، أو يدعو طلبته لزيارة ميدانية، أو يدرِّبهم عمليا، ويمكنه أيضا أن يستخدم رسما توضيحيا. 

بالمقابل يمكن للمتعلِّم أن يعزِّز الدروس التي تلقَّاها بالاستماع إلى مقاطع صوتية أو مرئية، ويمكنه أن يستعين بمراجعة جماعية، ويمكنه أيضا أن يلخِّص الدرس الذي تلقاه في شكل رسم توضيحي.ة والرسم التوضيحي هو من القواسم المشتركة بين المعلِّم والمتعلِّم، وإن لم نكن من المعلِّمين فنحن متعلِّمون!

 خامسا: طريقة رسم الخريطة الذهنية

  1. الوسائل:

يعتمد رسم الخريطة الذهنية على طريقتين، هما: الطريقة اليدوية، والطريقة الحاسوبية، وفي ما يلي تفصيل للطريقتين:

اليدوية:

  • ورقة بيضاء - أو أي لون آخر إن رغبت في ذلك - من نوع (A4) غير مسطّرة ولا مؤطّرة، نستخدمها بشكل أفقي (عرضي).
  • أقلام متعدِّدة الأحجام والألوان والأنواع.
  • قلم رصاص.
  • أقلام ملوَّنة من اختيارنا.

 الحاسوبية:

برنامج لرسم الخرائط الذهنية، مثل برنامج (FreeMind) أو (MindMapper)

  1. خطوات رسم خريطة ذهنية:
  • تحديد الموضوع.
  • استخراج المفاهيم الأساسية.
  • نحدِّد وسط الورقة كمركز للانطلاق، ثم نرسم دائرة صغيرة مثلا، ونضع موضوعنا في شكل كتابة أو رمز أو رسم بسيط يعبِّر عن الموضوع الرئيس ويمثِّل الفكرة بحيث يسهل تذكُّره.
  • نختار الاتجاه الذي نريد أن نرسم فيه التفرُّعات، شريطة الحفاظ على الاتجاه كل مرة نود فيها رسم خريطة ذهنية.
  • نقوم بوضع تفرُّعات تنطلق من مركز الورقة -الكلمة التي تختصر الموضوع الرئيس- لتمثِّل الأفكار الأساسيَّة، ونحدِّد لكل فرع كلمة مفتاحيَّة - نكتبها فوق الفرع- باستخدام الألوان المختلفة للفروع، على أن تكون هذه الفروع عبارة عن خط منحن عريض من جهة المركز، ليصبح أكثر دقة عند نهايته، مع إمكانية رسم خط أو دائرة حول الفكرة المهمة لإبرازها بشكل لافت.
  • يمكن وضع صور رمزية على كل فرع من الفروع السابقة تعبِّر عن معناه، أما الهدف من استخدام هذه الصور وكذا الألوان فهو تحبيب الرسم للنفس وتوضيحه وتصنيف الأفكار.
  • يمكن تفريع كل فرع من الفروع الرئيسة إلى فروع ثانوية، مع وضع ما يمثِّلها من كلمات أو كلمات مع رسوم أو رموز.
  • نواصل التفريعات الجزئية إلى غاية إنهاء الأفكار التي تولَّدت عن الفكرة الرئيسة.
  • نحصل في النهاية على شجرة بها تفرعات تمثِّل أفكار الموضوع ومختلف جوانبه، بطريقة متسلسلة منظَّمة.

سادسا: انتبه لهذه الأمور قبل رسم الخريطة الذهنية

  • لا تكرِّر الكلمة أثناء رسمك للخريطة الذهنية، واستخدم الضمير الذي يعود إلى الموضوع الرئيس.
  • أفضل الطرق على الإطلاق لعمل الخريطة الذهنية هي عمل النسخة الأولى باليد، لأن انشغال العقل بالتَّعامل مع الجهاز قد يشتِّت تدفُّق الأفكار قليلاً، ولكن بعد الانتهاء من هذه الخطوة يمكنك استخدام برامج التخطيط الذهني لتنسيق وترتيب خطَّتك.
  • لا ترسم تفرعات في شكل خطوط مستقيمة، بل ارسمها في شكل خطوط منحنية.

سابعا: أسئلة شائعة حول الخريطة الذهنية

لا أحسن الرسم، ماذا أفعل ؟
الجواب: ليس مطلوبا أن ترسم لوحة فنيَّة! وإنما مجرَّد رسمك لشكل تميِّزه وتربط به الفكرة فإنك بذلك تكون قد حقَّقتَ الهدف.

هل يمكنني أن أستغني عن الرسومات أثناء تصميم خريطة ذهنية ؟
الجواب: يستحسن أن ترفق الكلمات بالصور لما مرَّ ذكره من فائدة، إلا أنه يمكن الإفادة من مبدإ الخريطة الذهنية والاقتصار على رسم مخطَّط معبِّر خال من الرسومات.

هل يمكن رسم خرائط ذهنية لسور القرآن الكريم ؟
الجواب: نعم، يمكن استخدام الخريطة الذهنية في حفظ القرآن الكريم وتدبُّره معاً، وقد ظهر هذا في عدَّة تجارب على شاكلة ما قام به الدكتور إبراهيم بن عبد الله الدويش الذي اعتبر الخريطة الذهنية أفضل وأسهل طريقة لتدبُّر القرآن وحفظه معاً، في زمنٍ بات يعاني فيه الكثير من حَفظة كتاب الله من قلَّة الضَّبط وتفلُّت زمام الحفظ؛ نتيجة قلَّة الاهتمام بجانب الفهم والتدبُّر، ومن ثمَّ التطبيق والعمل، وقد جعل الدكتور الدويش لهذه التجربة الرائدة سورة البقرة أنموذجا.

هل يمكن أن نستخدم الخرائط الذهنية في تصميم دروس ومحاضرات ومراجعات خاصة بالدراسات الإسلامية ؟
الجواب: أكيد، وقد ثبت ذلك بالتجربة، ويمكن الرُّجوع في هذا المجال لتجارب الدكتور حمزة عبد الكريم حمَّاد: تدريس الفقه الإسلامي وأصوله في الجامعات وفقا لاستراتيجيات تربوية حديثة (الخرائط المفاهيمية نموذجا)، وكذا: استخدام خرائط المفاهيم في تدريس أحكام التلاوة والتجويد .

-بتصرف-

المصدر: موقع الألوكة الثقافية.

شاركنا بتعليقك