مهبِط الوحي، ومعدِن الأنبياء، ومتعبدهم من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ومسرى رسول الله ﷺ؛ حيث جمع الله له الأنبياء والمرسَلين عليهم السلام فأمَّهم جميعًا، ومنطلق معراجه إلى السموات العلا، باركه الله تعالى وبارك ما حوله، ووصفه بالأقصى؛ لبُعده عن المسجد الحرام؛ فقال: ﴿سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنَ ـ ايَاتِنَآ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الإسراء: 1، وهو ثاني مسجدٍ وُضع في الأرض بعد المسجد الحرام، فقد سأل أبو ذرٍّ الغفاريُّ رسولَ الله ﷺ فقال له: أي مسجدٍ وُضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام"، قال: قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنةً، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصلِّه، فإن الفضل فيه" وهو أُولى القبلتين، فقد صلَّى رسول الله ﷺ بعد هجرته إلى المدينة ستةَ عشرَ شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا إلى جهة بيت المقدس؛ ففي الحديث الذي يرويه البراء بن عازب أنه قال: كان رسول الله ﷺ صلَّى نحو بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله ﷺ يحب أن يوجَّه إلى الكعبة؛ فأنزل الله: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّـيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبـِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ البقرة: 144، فتوجَّه نحو الكعبة.
وقد اختصه الله تعالى بجملةٍ من الخصائص والمزايا؛ من ذلك:
♦ أنه أحدُ المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرِّحال للزيارة والصلاة؛ فعن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: "لا تُشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ﷺ، والمسجد الأقصى"، ومزية هذه المساجد على غيرها؛ لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولفضل الصلاة فيها.
♦ أن الصلاة فيه مضاعفة بألفٍ أو بخمسمائة صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ فعن ميمونة مولاة النبي ﷺ قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس؟ قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلُّوا فيه؛ فإن صلاةً فيه كألف صلاةٍ في غيره"، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: "فتُهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه"، وفي رواية عن أبي الدرداء أنه قال: قال رسول الله ﷺ: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة".
♦ أن مَن قصده للصلاة فيه يخرج من ذنوبه كيومَ ولَدَته أمُّه؛ فعن عبدالله بن عمرو، عن رسول الله ﷺ: "أن سليمان بن داود عليه السلام لمَّا بنى بيتَ المقدس سأل الله عز وجل خلالًا ثلاثًا: سأل الله عز وجل حُكمًا يصادف حُكمه فأُوتيه، وسأل الله عز وجل مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاةُ فيه أن يخرجه من خطيئته كيومَ ولدَته أمُّه".
♦ أن مَن أهلَّ منه بحج أو عمرةٍ غُفر له، ووجَبت له الجنة؛ فعن أم سلمة زوجِ النبي ﷺ أنها سمعت نبي الله ﷺ يقول: "من أهلَّ بحَجَّة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، أو وجبت له الجنة"، وقال أبو داود: يرحم اللهُ وكيعًا أحرم من بيت المقدس؛ يعني إلى مكة، وفي رواية: "من أهلَّ بالحج والعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ووجبت له الجنة".
♦ أنه أحد المساجد الأربعة التي يُمنع الدجال من دخولها، فعن جنادة بن أبي أمية، أنه قال: أتينا رجلًا من الأنصار من أصحاب رسول الله ﷺ فدخلنا عليه، فقلنا: حدِّثنا ما سمعت من رسول الله ﷺ، ولا تحدثنا ما سمعت من الناس، فشددنا عليه، فقال: قام رسول الله ﷺ فينا فقال: "أنذرتُكم المسيح، وهو ممسوح العين -قال: أحسبه قال: اليسرى -يسير معه جبال الخبز وأنهار الماء، علامته: يمكث في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ سلطانه كل منهلٍ، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور، ومهما كان من ذلك، فاعلموا أن الله عز وجل ليس بأعور".
أرض بيت المقدس التي تضم في جنباتها المسجدَ الأقصى هي أرض المحشر والمنشر، فبين يدي الساعة يكون حشرُ الناس إليها، كما يُبعث الناسُ من قبورهم ثم يُساقون إليها؛ ففي الحديث عن ميمونة مولاة النبي ﷺ قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس؟ قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلُّوا فيه؛ فإن صلاةً فيه كألف صلاة في غيره"، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: "فتُهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه".
فنسأل الله عز وجل أن يقرَّ أعين المسلمين برؤية المسجد الأقصى حرًّا طليقًا من أيدي الصهاينة الغاصبين العابثين.
المصدر: موقع شبكة الألوكة
شاركنا بتعليقك