إسهامات

إن المقابر عامة ومقابر المسلمين خاصة لها حرمة عظيمة قررها القرآن الكريم ووضحتها السنة المطهرة، وقد ورد في كتب التفسير والحديث والفقه الشيء الكثير من آداب زيارة المقابر وفوائد ذلك وأحكام الدفن فيها وحرمة الموتى ما يزكي الفؤاد وينور البصيرة ويهدي للتي هي أقوم، ومما درج عليه سلفنا الصالح رحمهم وساروا عليه ودانوا به في استغلال الأراضي الوقفية للمقابر في قصر تغردايت وخارجه ما يلي باختصار:

1. تهيئة مكان خاص لغسل الأموات بواسطة غسالين متطوعين من حلقة العزابة.

2. حفر القبور للدفن فيها وهي على أنواع وللميت الحق في الأرض بقدر ما يكفي موسدا ولا يجوز البناء على قبره ولا تحويله إلى أن تقوم الساعة وهذا مذهبهم.

3. الاهتمام بالميت الصالح بعد دفنه وذلك بترتيب زيارات له على حسب العرف في اليوم السابع من دفنه لتعليم القبر "أعلَّم" وفي اليوم الخامس عشر وفي تمام الأربعين ويوم عاشوراء ودوران الحول وهذه مناسبات للصدقة على الميت والدعاء له والاعتبار بموته والتفاصيل المتعلقة بكل هذا تذكر في الوصية لكرامة الإنسان عند الله تعالى.

4. بناء المحاريب والمقامات بجانب القبر لا فوقه والمقصد منها تعليم القبر حتى لا يضيع وبهذه المحاريب والمقامات المتنوعة في الشكل يعرف الميت ومكانته ويقصد للزيارة والدعاء له لأن حرمة الميت كحرمة الحي ولا مكان هنا للتوسل والشرك.

5. بناء مصليات صغيرة مسقفة ومحاضر محوطة بسور صغير يليه ممر للراجلين بجانب القبور لتلاوة القرآن الكريم في موسم المقابر ومناسبة العيدين الفطر والأضحى. وهذا موجود في معظم المقابر القديمة كمقبرة الشيخ أمي سعيد المتضررة بالتخريب ومقبرة الشيخ بابا صالح كذلك.

6. بناء مقر خاص لاجتماع ممثلين علماء عن حلقات العزابة من القصور الثمانية يسمى بمجلس عمي سعيد، وهو مجلس فقهي يدرس الجانب الاجتماعي في المجتمع. وهذا المقر بمقبرة الشيخ عمي سعيد والمقصد من هذا هو: تذكر الموت والآخرة عند أخذ القرارت المصيرية من هؤلاء العزابة العلماء والقضاة.

7. أخذ العريس في صبيحة العرس مع وزرائه إلى مقبرة الشيخ بابا والجمة، ليتذكر الآخرة أولا وليعلم أن بعد الفرح يأتي الحزن لا محالة عرس ثم مأتم، وليتعرف على مؤسس قصر تغردايت وهو الشيخ بابا والجما ومن معه من المشايخ والعبرة تحصل بأي مقبرة ولا تحصر في هذه.

8. زيارة مقابر البلدة كلها في موسم الزيارة المعروف، وهو تظاهرة شعبية في فصل الربيع يجتمع الناس وفي مقدمتهم العزابة فيجوبون المقابر كلها وهي محاطة بالبلد كالسوار في العنق وكذلك بعض الوديان، وذلك لطلب الغيث والدعاء للأحياء والأموات وتلقين تاريخ المشايخ البارزين للأجيال الصاعدة في كل مقبرة وهم يرددون في كل سير هذا الذكر والشعار: "بسم الله يا الله يا رحمان يا رحيم يا الله ارحمنا".

هذه هي سيرة السلف الصالح بإيجاز منذ أكثر من ثمان مائة سنة في شأن تسيير وقف المقابر لا في وادي مزاب فحسب بل في كل ولايات الجزائر مع اختلاف يسير، وليس في أعمالهم مقاضاة أجرة أو انتظار الجزاء والشكر من الناس والكل يعمل لوجه الله تعالى بدءا من إمام المسجد إلى المتطوعين في المحاضر للحراسة وقد بنوا لنا طريقا مستويا مستقيما من دارنا إلى دار الخلد بإذن الله تعالى في كل مجالات الحياة لنعيش في عزة وكرامة كما عاشوا، فما علينا نحن إلا أن نتأسى بهم ونترحم عليهم ونصدر هذا الخير إلى الغير.

-بتصرف-

المصدر: صفحة الفايسبوك للأستاذ: النشاشبي أبو اسماعيل.

شاركنا بتعليقك