المنزل هو العنصر الثاني في العمارة المزابية بعد المسجد، وهو العنصر الذي يظهر فيه خضوع المعمار المزابي بشكل كامل للتعاليم الإسلامية السّمحة، سنوضح خصائص المسكن المزابي التقليدي بصفة عامة دون تفصيل إذ أن المنازل المزابية التقليدية كثيرة التشابه، مساحتها لا تتجاوز 100 متر مربع عادة، تشتمل على طابقين وسطح، وطابق تحت أرضي. أول ما يُـلاحظ عند مدخل المنزل هو العتبة، وهي درجة صخرية متوضعة عند مدخل المنزل قبل الباب، يبلغ ارتفاعها حوالي عشرة سنتيمترات، هذه العتبة تقي الدار من دخول الأتربة الرملية، ومياه الأمطار، والحشرات الضارة وخروج الهواء البارد أيام الحر الشديد.
يبقى باب المدخل عادة مفتوحا طول النهار، إلا أن المار في الشارع لا يستطيع مع ذلك رؤية ما بداخل الدار، نظرا لتصميم المدخل الذي هو عبارة عن رواق صغير ينتهي بحائط مقابل، ليُـكَوّن المدخل إلى وسط الدار منعرجا.
عند تجاوز المدخل الثاني تجد نفسك في رواق يسمى سقيفة، به مقعد حجري منخفض بني للجلوس أمام المنسج صيفا، ورحى تثبت في أحد زواياه لطحن الحبوب، والجدير بالذكر أن منزل المزابي لا يحتوي على أثاث عادة، حيث يكون أثاث البيت مبنيا.
من هذا الرواق تنقل مباشرة إلى وسط الدار المضاء بواسطة فتحة ( شـبّاك ) تصل الطابق الأرضي بالطابق الأول ( السطحي )، منها تنزل أشعة لشمس ويجدد الهواء، وتعتبر هذه الفتحة بديلا عن النوافذ، إذ أن المسكن المزابي يعتمد على الإضاءة العلوية، ونادرا ما يحتوي على نوافذ، وإن وُجدت ففي الطابق السطحي، وتكون عبارة عن فتحة صغيرة في الحائط. تُصَمـّم فتحات التهوية والإضاءة بطريقة تجعل الساكن يستفيد لأطول وقت ممكن من أشعة الشمس، خاصة شتاءً.
تعتبر غرفة استقبال النساء " تيزفْري " أنسب موقع للجلوس حول وسط الدار، هذه القاعة التي لا تكاد تخلو منها دار مزابية، هي عبارة عن غرفة لها مدخل عريض نوعا ما، لكنه بدون باب، متجه نحو القبلة أو نحو المغرب للاستفادة أكثر من الضوء الطبيعي، غدوا وأصيلا. هذه القاعة لها دوران رئيسيان: أولهما إقامة المنسج الذي تصنع به الفرش والملابس الصوفية، ثانيهما أنها غرفة الأكل وسمر العائلة واستقبال النساء.
المطبخ فضاء صغير مفتوح على أحد جوانب وسط الدار، ولا تكون له غرفة مخصصة عادة، ويتكون من موقد حجري متصل بفتحة تهوية إلى السطح، وتعلوه رفوف وأوتاد وبعض الكوات التي تستعمل لوضع لوازم وأواني الطبخ. ويكون المطبخ ضمن وسط الدار بحيث لا تحس الجالسة أمام الموقد أنها في معزل عن باقي نساء الدار.
في إحدى جوانب وسط الدار، يقع مدخل غرفة النوم الخاصة بربة البيت، وبجانبه تقع عادة طاولة مبنية تحتها أواني الماء العذب وماء الغسل. بجانب مدخل وسط الدار، نجد مطهرة ومرحاضا إلى جانبه مكان لربط المعزة التي تستر ما تبقى من فضلات الطعام، وتجود بما تيسر من الحليب.
هذه المعزة كانت تنطلق كل صباح ( إلى وقت غير بعيد ) إلى حيث تتجمع فيه مع قطيع البلدة، أين ينتظرها الراعي، يخرج به في الشعب القريبة، ليعود به بعد العصر إلى مدخل البلدة، أين يفترق وتتجه كل معزة إلى دارها، معتمدة على ذاكرتها التي لا تخطئ عادة.
هذا فيما يخص الطابق الأرضي، وهو مخصص لاستقبال النساء نهارا عادة، أما الطابق الأول، وهو الطابق السطحي، فيصعد إليه من مدخلين: الأول من أدراج تنطلق من وسط الدار تقع بجانبها عادة غرفة صغيرة لحفظ المؤونة و الأغذية، والثاني عن طريق حجرة صغيرة داخلها أدراج تقود إلى قاعة استقبال الضيوف الخاصة بالرجال في الطابق الأول، هذه الأدراج المستقلة عن وسط الدار تجعل حركة الرجال ممكنة من الطابق الأول إلى الخارج بدون إحراج النساء غير المحارم.
بقاعة الاستقبال المسماة " لَعْلِي " أو " ادْوِيـريتْ " نافذة متوسطة الحجم نلاحظها من الشارع فوق باب الدار
تحيط بالطابق الأول من بعض جوانبه غرف للنوم، علاوة على غرفة الاستقبال الخاصة بالرجال التي لها باب إلى وسط هذا الطابق.
الباقي من هذا الطابق فضاء نصفه مسقف ونصفه مفتوح إلى السماء، يفصل بينهما عدد من الأقواس. النصف المسقف يسمى "إيكومار" النصف المفتوح يحتوي بأحد زواياه على الفتحة المطلة على الطابق الأرضي، وتكون محاطة بعتبة صخرية تتوسطها قضبان معدنية، ولها نفس فوائد عتبة مدخل الدار
الجزء المسقف " إيكومار " يحمل مع الغرف السطح الذي تقضي فيه الأسرة ليالي الصيف، وتخزن في جانب منه الحطب اللازم للطبخ والتدفئة
بالطابق الأول كذلك مرحاض إلى جانبه مغسل، كما أن به مطبخا لمناسبات الأعراس والمآتم وما أشبهها. أما الطابق التحت أرضي المسمى بـ " الدّهليز " فالأدراج المؤدية إليه تكون من مدخل الدار، وهو مكان مكيّف طبيعيا، حيث يكون باردا صيفا، ودافئا شتاءا، ويستعمل كمكان للنوم عادة.
يستعمل المِزابيون في بنائهم الأقواس، وتحتوي الأقواس غالبا على كوات صغيرة، تفيد كحوامل أو رفوف لوضع الآلات المضرة للصبيان وغيرها.
لا تزال معظم المنازل الواقعة خلف سور المدينة المِـزابية محتفظة بنفس الطراز القديم السابق ذكره إلى الآن، سوى بعض التعديلات البسيطة التي أدخلت عليها حديثا، كالبلاط، والكهرباء والغاز، بينما تحتفظ البيوت الحديثة بأساسيات الطراز المعماري التقليدي إلى حد بعيد.
-بتصرف-
المصدر: مدونة غرداية حضارة وأصالة
شاركنا بتعليقك