إسهامات

بما أن التمر هو المورد الأساسي للغذاء في مزاب، ويشكل الغذاء الرئيسي لأهلها، فقد وقَّف المسلمون -اقتداء بالسلف الصالح- جزءا من نتاج نخيلهم من مختلف أنواعه لتوزيعه على عمار المسجد يوميا في أوقات مختلفة: في الصيف قبل صلاة العصر، وفي الشتاء بعد صلاة الصبح. وقد يوقِّف الواقف عرجونا أو نخلة أو أكثر، حسب كرمه وسعة رزقه. ويستحب أن يقدم خير ما عنده لينال برّ الله تعالى، والعرجون الجيد هو الذي يستقبل الشمس أكثر في سائر اليوم، وهو عادة الذي يكون من الجهة الشمالية الغربية للنخلة.

كيفية جمع تمر المسجد من البساتين

كانت العادة جارية أنه لا يشرع في جداد التمر وقطعه إلا بإذن من المسجد، حين يبدو صلاح التمر، وذلك في أوائل شهر أكتوبر. ويعبَّر عنه بالـمزابية "إَحَلْ أَمْجَارْ"، بمعنى يجوز استعمال المنجل في قطع العراجين. ويتخذ حاكم البلدة إجراءات صارمة ضد من يقطع التمر قبل تمام نضجه. ويقوم على مداخل البلدة من جهة الواحة رجال المخزن لمراقبة ذلك (رجال بمثابة الحرس البلدي، يلبسون برنوسا أزرقا ويقومون بمراقبة تصرفات الناس في الشوارع والأسواق، وهذا يستمد أصوله من نظام الحسبة في الإسلام). فبعد أن يجمع الملاك ثمار نخيلهم تبقى عراجين المسجد ونخيلها التي وقفها أصحابها.

والواحة مقسمة إلى ثلاث نواحي تسمى كل ناحية بكتاب، فهناك الكتاب الشرقي، والأوسط، والغربي. ولكل كتاب حدود مرسومة، وكل كتاب يقسم إلى أجزاء تسمى کراریس، بحيث يضم كل كتاب أربعة أو ثلاثة كراريس. وكل الأوقاف مسجلة في سجلات تحدد فيه مواصفات النخلة وموقعها ومن وقفها.

جلسة المزايدة العلنية

وعند تحديد تاريخ الشروع في عملية الجداد، يعقد مجلس العزابة بحضور شیخ المسجد والوكلاء جلسة مع الفرق التي تتولى عملية الجداد، فينادي وكيل المسجد: من يأخذ الكتاب الأول؟ فتتنافس الفرق على تقديم أكبر حصة للمسجد، مقابل الحصة العينية من التمر التي تفوز بها مقابل عملها..، وتشتد المنافسة والحصة تزيد وتنقص حسب موسم الغلة، جودة ورداءة ووفرة وندرة. وقد وصلت في موسم من مواسم عزة التمر وندرتهما إلى اثنين وعشرين حصة مقابل حصة واحدة أجرة للعمال..! وفي الظروف العادية يكون ما بين ثماني إلى عشر حصص للمسجد مقابل حصة أجرة عمل، أي ثمن أو عشر الغلة يأخذها العمال مقابل عنائهم.

مرحلة الجداد

عند توزيع الكتب الثلاثة على الغرف يشرع في عملية الجداد، كل فرقة تقوم بقطع العراجين الموقوفة ولو كانت تحتوي على حفنة واحدة فقط من التمر ..، وتمسح الناحية أو المنطقة مسحا شاملا، مستعينة بوكلاء المسجد في تحديد النخيل والعراجين الموقوفة. وتدوم عملية الجداد خمسة عشر يوما تقريبا، وتكدَّس التمور بمختلف أنواعها في صحن المسجد.

مرحلة وضع التمر في الجوابي

بعد جمع التمر تأتي مرحلة وضعه في الجوابي، ولجودة التمر ونقائه لم تكن تتم عملية الفرز والتمييز بين الأنواع، إذ تجمع كل الأنواع وتخلط، ويقوم هذه المرحلة العملية مجموعة من الشباب النشطين من مختلف العشائر، وأجرتهم تكون عينية تتمثل في جزء من التمر، ويقوم وكيل المسجد أو من ينوب عنه من أعضاء حلقة العزابة بإحصاء الزنابل (كيس كبير من الحلفاء لوضع التمر)، التي توضع فيها التمر، ويحمل إلى المستودع، فيكون الزنبیل السادس عشر أجرة للعمال، ويوضع جانبا. والبقية توضع في الجوابي، وكل جابية مخصصة لوظيفة من الوظائف ويقوم بعض العمال برص التمر في الجوابي بحيث يحفظ من التسوس والفساد، ويكتب على كل جابية اسم الوظيفة المخصصة لها.

ومستودع التمر يضم اثني وعشرين جابية. كل جابية تضم قناطير مقنطرة من التمر الجيد ما يكفي لطول السنة.

وقد أزيلت هذه الجوابي في المدة الأخيرة، كما تعرضت عملية جداد التمر وجمعها ووضعها في الجوابي لتطورات هامة.

المصارف التي تُصرف إليها تمور الوقف

تسمى هذه المصارف بالوظائف وهي تنقسم إلى سبعة وظائف:

1. وظيفة العزابة.

2. وظيفة إروان.

3. وظيفة مجلس الأنعام.

4. وظيفة ليلة الجمعة.

5. ثلاث وظائف للمحاضر.

وكل وظيفة يخصص لها جابية حسب أهميتها، وكل وظيفة لها عرفاء تناط بهم مهمة أخذ التمر من الجوابي إلى محل الوظيفة في الوقت المحدد.

-بتصرف-

المصدر: مقال بعنوان "من تراثنا الحضاري، الأوقاف الخيرية لمسجد القرارة"، محمد بن صالح حمدي، مجلة الحياة العدد 03، الصفحة 115-118.

شاركنا بتعليقك