إسهامات

الساخطون والمتباكون على ما فاتهم من متاع الدنيا حُرموا لذّة القناعة؛ فهم لا يشعرون بما يتمتعون به من نعم غامرة، فقد ألفوا تلك النعم، وبعضهم حصلوا عليها بسهولة، وهم يقولون دائمًا: ينقصنا كذا وكذا، ونريد كذا وكذا، ولا يقولون: عندنا كذا وكذا. إذا أراد الواحد منا أن يكون سعيدًا؛ فهذا أمر يمكن تحقيقه، لكننا نريد أن نكون مثل أولئك الناس الذين يظهر أنهم يملكون أكثر مما نملك، ويتمتعون بما لا نستطيع التمتع به؛ وهذا أمر عسير دائمًا؛ لأنه يغلب على ظن الناس حتى المحسودين منهم أن غيرهم أسعد وأحسن حالًا منهم وأقل شعورًا بالأزمات والمشكلات.

إن من أكثر ما يؤذي أحاسيس الرضا والطمأنينة أن نضعها موضع شك وتساؤل؛ وذلك حين نسأل أنفسنا: هل نحن سعداء أو لا؟ السعادة تحب الغفلة، وتكره الأضواء كما تؤذيها المقارنات والتطلعات غير المحدودة. فلننتبه إلى هذه المعاني إذا أردنا ألا نَحطَّ رحالنا على أبواب الشقاء.

من المهم حتى نكون سعداء أن نؤمن إيمانًا لا تردد فيه أن السعادة مع قلة المال وضعف النفوذ وندرة الأشياء تظل شيئًا ممكنًا، وعلينا أن نتعلم من الطيور شيئًا في هذا الشأن، فالعصفور لا يقل مرحه وتغريده عندما لا يحصل على غير كسرة الخبز. ويجب أن نؤمن دائمًا كما يؤمن البحّار أن الرياح الطيّبة ستهب لتجري سفينته في الاتجاه المطلوب.

السعادة باختصار ليست شيئًا ظاهريًّا، وليست أسبابها ملموسة دائمًا. الخيال والتفاؤل والأمل والثقة بالله -جلّ وعلا- والاعتقاد بأن المحن لا تدوم، وأن مع العسر يسرًا.. كل هذه الأمور تفتح لنا أبواب الحياة الطبية على مصراعيها دون أن يكون بين أيدينا الكثير، وهذا ليس ادعاءً ولا تسليةً للمُعدَمين، لكنه الحقيقة الساطعة التي تسمو على الجدل.

أختم الحديث عن القناعة بما روي من أن رجلًا سأل عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما خير شيء أعلمه لولدي يا أمير المؤمنين؟

فقال عمر: "علِّم ولدك الفقه الأكبر: القناعة وكفُّ الأذى".

-بتصرف-

المصدر: كتاب عش هانئًا، د. عبد الكريم بكار، صفحة 142-143.

شاركنا بتعليقك