إسهامات

هل يمكن أن نقدم للقارئ الكريم تعريفا مختصرا للتخطيط؟

التخطيط جهد ذهني معرفي يبذله الإنسان في تصور الأوضاع والإمكانات والموارد الحاضرة من أجل وضعها في برامج واضحة بغية تحقيق أهداف محددة ومواجهة الظروف والتحديات المستقبلية.

هل تقصد أنه لا بد من المزاوجة بين المعرفة والتفكير؟

طبعا فالتخطيط من غير معلومات جيدة لا يكون أبدا مجديا بل قد يكون عدمه خيرا منه، وأقول غير مبالغ: إن نصف فشل كثير من الخطط الشخصية والجماعية يعود إلى نقص في المعلومات التي يجب توفيرها.

أشعر أن كثيرا من الشباب ينظر إلى الاهتمام الشديد بالمستقبل على أنه قد يجرح صفاء اعتقاده بضرورة التوكل على الله، وأن ما كان له أتاه على ضعفه وما ليس له فلن يناله بقوته

و نحن نعرف أن المستقبل غيب، وكلما كان المستقبل بعيدا وكلما كانت الأشياء التي نخطط لها تفصيلية وفرعية كانت أكثر انحجاباً وغموضا.

التوكل على الله تعالى والتفويض إليه والرضا بقضائه وقدره هذه المعاني لا تناقض أبدا الاهتمام بالمستقبل؛ فنحن في هذه الدنيا في عالم أسباب، وفي عالم الأسباب لا يليق بالمسلم أن يسترخي ويتمنى على الله تعالى الأماني، بل لا بد له من أن يعد لكل شيء عدته ما دام في نطاق المباح أو المطلوب شرعا مع الاعتقاد بأن الأمور في النهاية تعود إلى الله تعالى وليس إلى ما أعددناه من أسباب والرضا بالنتائج ولو كنا لا نلمح فيها ما كنا نطمح إليه، ما هو مقدر سينفذ لا محالة، ولكن من الذي أخبرنا عن ذلك المقدر حتى نتهاون في طلبه والإعداد له؛ وقد ادخر النبي ﷺ مرة قوت سنة، وليس في إحدى المعارك درعين، وكان يكتم أخبار سيره إلى العدو حتى لا تتكشف خططه الحربية وهكذا... والمهم في كل هذا ألا يؤثر اهتمامنا بالمستقبل والعمل من أجله في أدائنا لواجباتنا الشرعية والاجتماعية الحاضرة من أجل مستقبل لا ندري ما الله تعالى صانع فيه.

يقولون: إن الذي لا يخطط لأموره وشؤونه يخطط له غيره، فإلى أي مدى يمكن القبول بصحة هذا القول؟

لا نستطيع التعميم في هذا، لكن من المؤكد حين تزدحم الخطط في مجال من المجالات، ويكون كل المنافسين لك قد أحكموا خططهم وتحالفاتهم فإنك ستجد نفسك في النهاية قد وقعت في خططهم، نحن أيها الأخ الكريم في عالم يزداد ازدحاما، ويزداد تنظيما ومنافسة، وستكون الأمور سيئة جدا بالنسبة إلى فقراء يعيشون في عالم أغنياء وفوضويين يعيشون في عالم منظمين، وجهال يعيشون في عالم متعلمين ومثقفين!

ما أعظم ميزة للتخطيط؟

الحقيقة أن للتخطيط ميزات عديدة، لعل من أهمها اكتشاف أو محاولة اكتشاف آفاق المستقبل والتأهب لإعداد العدة للتعامل معها، وبسبب التغيرات السريعة جدا فإن على الواحد منا -ولا يختلف شأن الدول والشركات الكبرى عن هذا- أن يخطط ليس في وقت أزماته وإنما في وقت رخائه ونجاحه وإلا خسر نجاحه مع الأيام ووجد نفسه في وضع صعب، ولا ننسى أن التخطيط يجعلنا نقنن استخدام الموارد المتاحة -ومنها الوقت والمال- كما يجعلنا نبحث عن موارد جديدة للوفاء بمتطلبات التخطيط، وهذا كافي.

أليس من ميزات التخطيط أنه يوجد مخرجا من الظروف الصعبة؟

هو يوجد شكلا من أشكال التنفيس والتخفيف من التوتر النفسي أما المخرج الحقيقي فيتمثل في مباشرة الإصلاح.

بماذا تنصحون الذي ليس له خبرة بقضايا التخطيط الشخصي؟

لا أعتقد أن مشكلة الذين لا يخططون أنهم لا يعرفون كيف يخططون، إن مشكلتهم الجوهرية أنهم لا يشعرون بالحاجة إلى التخطيط؛ لأنهم لا يعرفون أصلا أنهم يواجهون أو سيواجهون مشكلة تتطلب حلا، وإلا فإن قضية التعرف على المبادئ الأولية للتخطيط الشخصي أو التخطيط للأعمال الكبرى باتت سهلة وميسرة؛ فإن في إمكان أي واحد منا أن يقرأ كتابا أو أكثر في التخطيط أو يستمع إلى محاضرة أو يحضر دورة أو يستشير خلال جلسة مطولة أحد الخبراء والمتخصصين.

المصدر: كتاب من أجل النجاح، د. عبد الكريم بكار، ص 59.

شاركنا بتعليقك