إسهامات

النبي -عليه الصلاة والسلام- رفض أن يشهد على جور، حينما بلغه أن أحد أصحابه فضَّل ولداً من أولاده على آخر فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن أحد أصحابه أعطى أحد أولاده عطيةً، وأراد أن يُشهد النبي صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فسأله النبي الكريم: " أَفَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ فقال هذا الصحابي: لا, فقال عليه الصلاة والسلام: فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا -هذا العمل لا يصلح- وَإِنِّي لا أَشْهَدُ إِلا عَلَى حَقٍّ "وفي رواية: "لا أشهد على جور"

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يأمرنا أن نتقي الله، وأن نعدل في أولادنا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في حديثٍ ثالث يقول:" سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضَّلت النساء"

العلماء قالوا: يحرم على المرء أن يوصي لأحدهم بأكثر مما يستحق شرعاً، أو أن يحرمه مما يستحق، أو أن يحرمه بعض ما يستحق.

أن تحرم أحد أولادك من حقه، أو من بعض حقه، أو أن تعطي أحد أولادك فوق حقه، فهذا مما يحرُم شرعاً، فهذا الذي سيغادر الدنيا كيف سيلقى الله عزَّ وجل؟ يلقاه وقد ظلم أولاده، وقد فضَّل بعضهم على بعض، وقد حابى بعضهم على حساب بعض، إن هذا يزيد البعيد بعداً، قد يقول قائل: إن هذا الابن لا يَبَرُّني، إن هذا التصرُّف من قبل الأب، يزيد الابن البعيد بعداً، وتنشأ عداواتٌ بين الأخوة بعد الوفاة لا يعلمها إلا الله، لذلك الأولى أن تبقى على السُنَّة، السنة منهج، طريق مستقيم، فالإنسان مهما اجتهد، وفكر، وتأمل، ليس أعظم فهماً من خالقه ومربيه الذي شرع له هذا الدين.

ويجب أن يعطي أبناءه في الوصية مثل ما أخذه أحدهم زيادةٌ عنه، فأحياناً ولد يأخذ نصيباً كبيراً من والده، بحكم كونه أكبر أولاده، فيزوجه، يشتري له بيتاً، ويغادر الدنيا، وعنده أربعة أولادٍ آخرون، هؤلاء سوف يقتسمون الإرث بالتساوي مع أخيهم الأكبر الذي أخذ هذه الدفعة الكبيرة، الأولى أن يسوِّي بينهم في العَطية، بمعنى أنه إذا أعطى الأخ الأكبر، فيجب أن يعطي كلاً من الصغار بقدر ما أعطى الأكبر، هذا أيضاً حكم الله عز وجل، أي يجب أن يتم التوازن بين الأولاد في تقسيم الميراث.

لا يحق للأب أن يعطي في وجوه الخير أكثر من الثلث، والثلث كثير.أي أنه إذا كان مندفعاً لفعل الصالحات، فيدع ورثته عندئذٍ من بعده عالةً يتكففون الناس، وهذا لا يرضي الله عزَّ وجل أبداً، فأحياناً يقول لك: يجب أن أوصي بثلث المال للمساجد، وقد ترك بيتاً واحداً، ويسكنه أولاده، فمن أجل أن توصي للمسجد فسوف ترغم أولادك على بيع هذا البيت، فإذا كان هناك بيت وحيد يأويهم، ففي مثل هذه الحالة لا ينبغي أن توصي لا للمسجد ولا لغيره. " لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون "

هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام، فسواء في حياته، أو بعد مماته، فلا ينبغي أن يعطي أحداً فوق ما يستحق، ولا أن يحرم أحداً حقه ولا جزءاً من حقه، وإذا أعطى أحداً دفعةً كبيرة، فينبغي أن تدخل هذه في حساب الإرث، أما أن تكون خارج الحساب، وهو أعطاه بيت وزوجه، وفتح له محلاً، ثم توفى، وترك أربعة أولاد آخرين، فما تبقى لهؤلاء الخمسة، صار في تفاوت كبير جداً، الأولى أن يكون لكل ولدٍ حقٌ معلوم، إلا أنه في حالات أخرى، قد يكون الأب يعمل مع والده، هذا له جُهد نظير عمله من أراد أن يكون أولاده في البر له سواء فليعدل بينهم :" حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ ابْنُ بَشِيرٍ : أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لابْنِهَا ، فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ : لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لابْنِي ، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لابْنِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : فَلا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ " مسلم عن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ

-بتصرف-

المصدر: موسوعة النابلسي

شاركنا بتعليقك