إسهامات

تعتبر المدارس القرآنية بوادي مزاب من بوادر النهضة، كما تعدّ قيمة مضافة في تكوين شخصية الفرد المزابي، إذ تستند على خلفية عقدية فكرية وعلى تجربة تاريخية من حياة المجتمع الإباضي بهذه المنطقة، وغيرها من المناطق التي شهدت وجود الإباضية عبر التاريخ بالمغرب الإسلامي خاصة.

فمن الناحية العقدية نجد الانتماء الإسلامي والضرورة الشرعية التي تفرض تعلم القرآن وتعليمه كما هو الحال في مجموع الأمة، ومن حيث الإرث التاريخي فإن هذه المدارس القرآنية تعتبر استمرارا لنظام حلقة العزابة.

دور حلقة العزابة في التعليم القرآني

يقول الدكتور محمد ناصر في كتابه حلقة العزابة ودورها في بناء المجتمع المسجدي، متحدثا عن المهام التربوية لحلقة العزابة: "كانت المسؤولية هي أهم ما تقوم به الحلقة في عهود نشأتها الأولى، بل إن تربية النشء والعناية بتحفيظهم القرآن الكريم، وتعليمهم اللغة العربية والشريعة الإسلامية، كانت المهمة الوحيدة التي كانت الحلقة قد أنشئت من أجلها، وهذا إدراك من علماء المذهب وشيوخه أن التربية هي أهم الوسائل التي تنشئ الأجيال المسلمة عقيدة وعملا وهي من الطرق البليغة التي تضمن الاستمرار للمجتمع المحمدي مذهبا وسلوكا، وإن الدارس عندما يعود إلى طبقات الدرجيني (ق7هـ/15م) ليعجب حقًا لهذا النظام الدقيق الذي وضعه مؤسس الحلقة أبو عبد الله محمد بن بكر (في وقت مبكر نسبيا) في القرن الخامس الهجري (11م) في هذا المجال".

وفي وقتنا الحاضر تقوم ما يُعرف بالمحاضر وهي مدارس قرآنية تعد بالعشرات في قصور وادي مزاب وكذا المعاهد العليا مثل معهد الحياة بالقرارة ومعهد عمي سعيد بغرداية ومعهد الإصلاح بغرداية ودار القرآن التابعة لمؤسسة عمي سعيد بغرداية كذلك بمهمة تحفيظ كتاب الله وتنشئة أجيال قرآنيين، تغرس فيهم القيم والمبادئ الأصيلة، وتثبيت الهوية، فضلا عن الدراسات المرتبطة بالقرآن، وقد استظهر في العام الدراسي 2011ـ 2012م، على سبيل التمثيل 128 مستظهرا ومستظهرة منها 53 فتاة، ومثل ذلك في معهد الإصلاح ومعهد عمي سعيد.

هكذا عملت حلقة العزابة بالقرآن الكريم على صياغة الشخصية المزابية وهم جزء من المجتمع الجزائري الكبير حظوا بولوج هذه المؤسسات الحديثة والتخرج فيها والانضباط بنظامها، وأضحت ضرورة حضارية وحياتية يفكر فيها المجتمع وينشغل بإنشائها والمحافظة عليها وترسيخ مفهومها الواسع، مع إنشاء المساجد والمصليات حتى أصبحت لصيقة بها، ولا تزال الدراسة فيها مفتوحة للجميع منذ أن فتحت أول مدرسة في وادي مزاب وهي مدرسة الإصلاح بغرداية، ومعهد الحياة بالقرارة عام 1925م. 

-بتصرف-

المصادر:

       - بحث "تجربة تحفيظ القرآن في المدارس القرآنية بوادي مزاب"، مصطفى وينتن، جامعة غرداية.

       - موقع مجلس أعيان المزابيين الإباضية لقصر غرداية

شاركنا بتعليقك