إسهامات

كم هي المرات التي وقفنا فيها على زلات أبنائنا وأخطائهم؛ فكانت ردود أفعالنا عبارة عن زلات وأخطاء أُخَرَ لا تتناسب والحدث.

المسافة التي تقع بين المثير والاستجابة التي هي ربما لحظات، إذا دربنا أنفسنا على استثمارها، والتفكير المنطقي أثناءها فسنختار أفضل الاستجابات ولا شك. علينا إذن أن نتوقف برهة من الزمن بين ما حدث وبين ردة فعلنا إزاء ما حدث كي نختار دومًا الاستجابة المناسبة.

امتدح الله سبحانه وتعالى أولئك الذين يتحكمون في تلك المسافة بين المثير والاستجابة بضبط أنفسهم واختيارهم أفضل الاستجابات. قال تعالى ممتدحًا عباده المؤمنين: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين آل عمران:134.

عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذه، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء".

غالبًا ما يتعجل الوالدان في التعامل مع تصرفات أبنائهم الخاطئة بناءً على نظرة قصيرة المدى، قاصرة الرؤية، بينما لو تأنوا قليلًا لتراءت لهم آفاقٌ أخرى، وأبعادٌ مختلفة تجعلهم أكثر ملامسة لخيوط المشكلة، وفك عقدها بدلًا من تعضيدها، فلحظة التفكير والتأمل ما بين وقوع المشكلة وحلها يشكل فرقًا كبيرًا في نوعية الحلول ومدى نضجها.

كم من علاقات انقطع عقدها بين أب وابنه، وبين أم وابنتها بسبب قِصر المسافة بين المثير والاستجابة، فإذا أردنا أن نحتفظ بعلاقات حميمية مع أبنائنا علينا أن نطيل الزمن بين المثير والاستجابة لكي تزيد عدد البدائل الممكنة لردة فعلنا.

علينا أن نتصرف في معظم الأوقات بالصورة التي نرغب أن يتصرف أطفالنا بها، لكن عندما يبدأ ضغط دمك في الارتفاع، فهذا هو الوقت الحرج الذي ترسى فيه المثال أمام أطفالك -وهو أصعب وقت لفعل ذلك، كيف إذا تتعامل مع طفلك حين يقوم بتصرف أمامك؟ وما الطريقة المثلى لتعلم الحلم والأناة وضبط نفسك؟ على أن تحتفظ على هدوئك ولا ترفع صوتك، بل تحاول أن تستمع إليه وتفهم ماذا يريد ولم قام بذلك التصرف! الأمر ليس سهلا لكنه ليس مستحيل، وهي الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها أن نحصل على استجابة مماثلة منهم حين يصدر منك تصرف.. فحقا بين المثير والاستجابة مسافة تدعى التوقف والتبين، فهي تتعلم وتكتسب بالتدريب عليها دوما.

-بتصرف-

المصادر:

- موقع ملتقى الخطباء.

- كتاب: قواعد التربية، الكاتب ريتشارد تمبلر، ص 113.

شاركنا بتعليقك