إسهامات

لا شك أنك ارتكبت يوما خطأ ما، كأن تهين شخصا أو تبالغ في فعل شيء ما، أو أن تقول شيئا ما كان يجب أن تتلفظ به، أو كأن تكذب لسبب أو لآخر ويكتشف الجميع كِذبتك… والحال، أنه قد لا يتعلق الأمر بخطأ حقيقي، ولكنك اعتقدت مع نفسك أنك وقعت في خطأ. وتبدأ محاسبة الذات

التسامح … كلمة عملاقة نظريا … وعمليا تخفي وراءها القدرة على تطويع الإرادة، سعيا لتحقيق الكمال

وهذا ما يجعل ممارسة هذه الصفة والتعبير عنها تجاه محيطنا الاجتماعي صعبا للغاية، وتزداد الصعوبة إذا كنا مطالبين بممارسة فعل التسامح تجاه الذات

لماذا إذن يتعثر الإنسان في مسامحة نفسه ؟

لأن الإنسان مجبول في تكوينه الشخصاني على الرغبة في المزيد، والوصول في المرتبة الأولى وتفادي كل الأخطاء، للوصول إلى أفضل نتيجة أيّــا كان الموقف.

وكل شخص يكمن بداخله هذا الصوت الذي يؤكد له أن بإمكانه الحصول على نتيجة أفضل من التي وصل إليها، بل ويستمر في معاتبته وتأنيبه

السؤال الذي يُطرح هو هل يصح أن نصغي إلى هذا الصوت الذي يتردد بداخلنا؟ هل يتعين الاستماع إلى صداه الذي يؤنبنا باستمرار ويدعونا إلى السعي إلى المزيد؟ وهل يعتبر الرضا عن النفس ومسامحتها جريمة ؟

كثيرون هم الذين يسطرون أهدافا غير قابلة للتحقق تقريبا، معتقدين أنهم يتوفرون على العزيمة والحوافز الضرورية للمضي قدما فيها

ولكن السلوك القويم هو أن الرضا عن النفس والاكتفاء يجب أن يأخذ بعين الاعتبار البيئة التي نعيش فيها، حتى يتسنى لنا تقييم ذاتنا والإمكانات التي نتوفر عليها بطريقة أكثر موضوعية.

1. معرفة كيفية مسامحة النفس حل لإيقاف الضغوط:

أن تنتظر دائما المزيد والأفضل من نفسك يمكن أن يكون لذلك فعلا أثرا إيجابيا على تحفيزك، والدفع بك إلى الوصول إلى أهدافك الشخصية والمهنية… بل إن لذلك أثرا واضحا في تعزيز ثقتك في نفسك.

أي شخص يتبنى هذه الفلسفة لا يمكن بحال أن يكون راضيا على النتائج المحصل عليها مهما بدت إيجابية ومقنعة. وحتى إن أحس بالسعادة بعد أداءه الجيد، أو بعد أن يُـبلي بلاء حسنا في الوصول إلى أهدافه، إلا أن هذه السعادة لا تلبث أن تضمحل، مخلفة وراءها تأنيب الذات، بأنه لم يعطي كل ما لديه، وتبدأ نبتة الانطباع السلبي في النمو بداخله.

سلوك الصرامة في التعامل مع الذات ليس سلوكا قويما في الغالب، فكلما كنت متطلِّبا وملحاحا على نفسك، كلما قَلَّت فرص مواجهتك للشدائد بنجاح، وهذا من دون شك ينتهي باحتقار الذات وجمودها.

ومع هذه الصرامة ستنخفض قدرتك في التركيز على عملك الآني، إلى درجة أن تصبح على الحالة التي تحتقر نفسك فيها أكثر، فتركن إلى الاكتفاء الذاتي كنتيجة سلبية، مختلفا تماما عن الرضا عن النفس الذي يستمد من التنفيذ الفعلي والكلي لهدف من أهدافك.

إن امتلاك القدرة على مسامحة النفس يجعلك تعيد النظر في هذا التطور السلبي، بحيث سوف لن تركز على النتائج التي تتمناها، بقدر ما ستركز كل جهدك ووجدانك على عملية تحقيقها.

2. القدرة على مسامحة النفس هي قبل أي شيء حالة شعورية:

التسامح مع النفس هو حالة نفسية، تتطلب إعادة النظر ومُساءلة معاييرك الشخصية. ابدأ أولا بالتساؤل عن مصدر الصرامة التي قد تمارسها على نفسك، اطرح السؤال التالي: كيف وصلت إلى هذه الحالة من التشدد مع نفسي؟ هل يرجع ذلك إلى محيطي العائلي أم إلى الضغط الذي أعيشه في الشغل؟

وكيفما كان الجواب على هذا السؤال فأنه من غير الصائب أن تترك المجال لمحيطك الاجتماعي أن يتدخل بينك وبين ذاتك، وأن يؤثر على تقديرك لها بالسلب.

يجب أن أكون واقعيا، فأنا لست بطلا خارقا، كأبطال مسلسلات الرسوم المتحركة أو ما شابه، فنحن نعيش في عالم واقعي، لذلك يجب أن تكون نظرتنا إلى قدراتنا واقعية.

يتعين أن نأخذ بعين الاعتبار معطى آخر مهم، هو أنه ليس من طبيعة الحياة أن نحظى بالعدالة في كل أمورنا، فالحيف وانعدام العدالة ستكون حاضرة من دون شك في حياتنا، فليس دائما نحصل على ما نستحق الحصول عليه. لهذا، يلزمك أن تعذر نفسك على عدم قدرتك على تحصيل النتيجة المثالية.

تذكر أن الفشل في تحقيق هدف من أهدافك، لا يشكل بالضرورة علامة حاسمة على عدم توفرك على الكفاءات والقدرات الضرورية لتحقيقه. وبهذا سوف لن يكون هذا الفشل إلا طريقة أخرى لاكتساب التجربة والتعلم من الخطأ.

3. مسامحة النفس بمعرفة كيفية مكافأتها:

أن تصل إلى هدف من أهدافك الشخصية، فهذا يعني أنك وصلت إلى هذا الهدف بعد المرور بعدة مراحل، لأن تحقيق أي هدف يتطلب بالضرورة المرور بهذا النسق من المراحل.

ولنأخذ على سبيل المثال تحرير مقالة، فإنجاز هذا الهدف يتطلب أولا إجراء بحث حول موضوعها وجمع المعلومات الضرورية، ثم تصنيفها وترتيبها، ثم التحقق من مدى مطابقتها للواقع، ثم تقويمها على مستوى الشكل، لتقديمها بشكل نهائي.

وهكذا، فإيجاد موضوع مهم، والمعلومات المنسجمة معه والكفيلة بجعله واقعيا، هو في حد ذاته خطوة أولى باتجاه إنجاز المقالة.

لما لا أعطي لنفسي بعض الوقت، بإعطاء نفسي “مكافأة” على شكل فترة راحة مثلا، قبل الشروع في الكتابة في اليوم الموالي.

يمكنك ألا تتوقف، لأن هدفك والذي هو إتمام كتابة المقالة لم يتحقق بعد. لكن عدم التوقف سيحرمك من تحليل وزن العمل الذي أنجزته إلى هذه اللحظة وتقييمه عن بعد، وستكون حينها قد تعاملت بصرامة مع نفسي، وليس بالتسامح المطلوب.

إن التعامل مع الذات ببعض الليونة بإعطائها وقتا للراحة مثلا، ليس بالأمر السيئ، بل يجب أن تعطي لنفسك هذه الفرصة، بأن لا تفعل كل شيء دفعة واحدة، وأن ترضى بكونك في الطريق الصحيح نحو تحقيق الهدف.

4. مسامحة النفس بتحليل مسارك الشخصي:

كيلا تغرق في التشكيك الدائم في مهاراتك، فمن الأهمية بمكان الاستفادة من كل عقبة واجهتك

وإذا كان هذا يجعل مهمتك أكثر صعوبة، فيجب أن تتذكر أن مواجهة المشاكل والحالات الصعبة تجعلك تنمو وتتطور. ومسامحة النفس هي أيضا تحدي يتعين تناوله كمحفز ذاتي.

لا تكن قاسيا على نفسك لأنك ارتكبت بعض الأخطاء، أو لأنك لم تقدم كل ما لديك ولم تكن أكثر إنتاجية. وهذا جزء من اللعبة، بحيث على العكس، يجب إعطاء الأهمية الكبرى إلى ما نجحت في تحقيقه إلى حد الآن.

بدلا من الركون إلى الأنين يجب أن نسعى إلى الموضوعية في مثل هذه الحالات. اسأل نفسك ما يمكنك أن تتعلم من عقبة، أو مشكل يواجهك وكيف يمكن أن تدمج الحلول التي تبنيتها في نظرتك إلى المستقبل لتفادي حدوث هذه العقبات مجددا.

لا شك أن ذلك سيؤدي بك إلى تطوير ملكة التأقلم لديك، وإلى إيجاد سبل جديدة لتحقيق الإشباع والارتياح.

خلاصة القول، مسامحة النفس هي الخاصية النفسية التي تجعلك لا تستهين بما حققته من عمل قبل أن تُتم إنجازه، بل على العكس، تجعلك تركز على ما تحقق وتعطيه الأهمية اللازمة.

الوقت هو ثروة ثمينة، يشتكي جميع الناس من فقدانها، وارتقاءك بذاتك يمر بقدرتك على معرفة قيمتك الجوهرية، وعلى اعتبار ما تحققه ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم كنجاح للذات.

لا تتشدد مع نفسك فأنت لست بآلة، ولا تنس أن تأخذ بعين الاعتبار أن الكمال غير موجود في هذا العالم، وأن محاولتك الاقتراب منه تكفيك للارتقاء بنفسك.

لقد حان الوقت لنعذر أنفسنا على النقص… لقد حان الوقت لمسامحة أنفسنا على أخطائنا… فنحن في النهاية لسنا سوى بشر.

المصدر: النجاح الذاتي

شاركنا بتعليقك