إسهامات

... وهما موسم تظهر فيه مظاهر صلة الأرحام والأخوة الإسلامية والتضامن الاجتماعي وذلك في مظهرين:

أ- العناية بعمارة المسجد من كافة سكان البلد ابتداء من إحياء ليلة العيد فلها ميزة خاصة تختلف باختلاف مساجد القرى، وفي صبيحة العيد عند انقشاع ظلمة الليل بعد صلاة الفجر ترى الناس زرافات ووحدانا يؤمون المساجد، فالطلبة والعزابة في مجلس ينضمون لتلاوة ما تيسر من سور القرآن وبعدها ختمه، ثم درس شامل تكون له عناية خاصة من شيخ البلد أو مرشد المسجد يتناول جوانب من الحياة الاجتماعية ويكون مطولا ريثما يستقر العامة ثم يقع النداء لصلاة العيد باللغة المحلية (زَالَّاتْ) أو (تْزَالِّيتْ ) وهناك من يسبق هذا النداء عن الدرس التوجيهي. فتكون صلاة العيد جماعة بالمسجد أو بالمصلى خارج البلد.

ب- وبعد السماع لخطبة العيد يعقد مجلس من سبع من العزابة يقرأون سورة الدخان وعندنا في بنورة مثلا يؤلفه واحد من كل عشيرة مع رئيس العزابة لاعتبارين:

الأوّل لما ورد في سورة حم الدخان من فضل، فقد ذكر في "جامع الشمل" و"روح البيان" قال ورد في فضل السورة أحاديث صحيحة منها عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: " من قرأ سورة الدخان ليلة الجمعة بني له بيت في الجنة "، وروي: " من قرأها في ليلة استغفر له سبعون ألف ملك ".

الثاني لعل اعتبار العشائر من باب مراعاة التأليف أخذ مما فعل رسول الله ﷺ لما تنازع عظماء قريش فيمن يضع الحجر مكانه فدخل عليهم رسول الله (ص) فحكموه فألهمه الله إلى ما أزال النزاع من بينهم بأن وضعه في ردائه وأمر أن يمسك كل طرف منه أحد رؤسائهم فزال النزاع.

ثم بعد ذلك ينتظم سير المغافرة، بأن تبدأ العزابة المغافرة بينهم ابتداء من الرئيس ثم يتتابعون حسب درجاتهم ثم جماعة "إروان"، ثم عامة الناس من الشيخ الهرم إلى الصبي الذي كان حديث البلوغ حسب أعمارهم مراعين قوله: " من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا فليس منا ".

ثم ينصرفون بقلوب قد زال منها كل حقد أو ضغينة وحل محلها التآلف والتضامن إلا من كان قلبه قاسيا.

ومن مظاهر صلة الرحم أن الناس بعد انصرافهم من المسجد يزور كل أفراد عائلة أقاربهم من النساء العاجزات والأمهات والبنات والأخوات المخدرات بناء على أمر الله بصلة الرحم في آيات من القرآن منها قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ  النساء:36. ففي تلك المغافرة مناسبة لأداء حق هؤلاء خاصة صلة الرحم التي يقول فيها رسول الله في حديث قدسي: " أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلني ومن قطعها قطعني ".

ومما هو جدير بالذكر أنهم لا يقتصرون في صلتهم على الأحياء بل حتى الأموات، ففي المساء غالب الآباء والأجداد يأخذون أبناءهم لزيارة قبور أقاربهم يعرفونهم أولادهم. وزيارة القبور سنة، فقد روي عن رسول الله (ص) أنه كان يزور البقيع ويدعوا فيقول: " سلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون "، وقال أيضا: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، و تذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا ".

المصدر: كتاب عوائد مزاب سنن لا تقاليد، الشهيد بلحاج بن عدون قشار ص87-89

شاركنا بتعليقك