إسهامات

منذ بداية هجرة المزابيين من مسقط رأسهم إلى مدن التل للتجارة وطلب الرزق، كان لهم حضور قوي ومكانة مرموقة أينما حلوا بفضل أخلاقهم الإسلامية النبيلة وسلوكهم الحضاري الراقي، حيث استطاعوا أن يندمجوا في كل وسط حَلُّوا فيه وكانوا قيمةً مضافةً لكل مجتمع ومدينة استقروا بها، بل تجدهم ضمن النواة الأولى المؤسسة للكثير من المدن الجزائرية الحديثة، وذلك بتمسكهم بمقومات هويتهم الإسلامية الأمازيغية العريقة التي هي مكون أساس للهوية الجزائرية الأصيلة.
من عادة المزابيين تكوين تجمعات خاصة بهم في كل مدينة أقاموا فيها لتحفظ لهم كيانهم من خلال بناء مسجد لهم ومدرسة قرآنية  لتعليم أبناءهم وذلك منذ القدم أي قبل تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة إلى يومنا هذا. حيث كانت ولازالت هذه المساجد والمدارس القرآنية مراكز إشعاع ديني وعلمي وقلاع حصينة للهوية الجزائرية الأصيلة، فقد لعبت دورا رئيسيا في كل الحِقب التاريخية  أثناء المقاومة الشعبية للإستعمار الفرنسي وخصوصا أثناء الثورة التحريرية المباركة، حيث كانت متاجر المزابيين مخابىء سرية للمجاهدين ومراكز متقدمة للثورة في قلب العدو لتواجد متاجرهم في وسط المدن. 
كان للمزابيين في مدينة سطيف كباقي المدن الجزائرية الأخرى؛ دور قوي في الثورة التحريرية المباركة حيث أبلوا البلاء الحسن وكانت لهم مآثر وبطولات يشهد لها كل من شارك في الثورة المظفرة وكثير من الشهداء والمجاهدين في هذه الولاية المترامية الأطراف ممن لبوا نداء الواجب وشرف الدفاع عن الوطن. ونجد حتى من أطفالهم من شارك واستشهد فداء للوطن، وخير دليل هو الطفل الشهيد "داود يوسف" الذي نكل به العدو الفرنسي بعدما ألقي القبض عليه متلبسا بتمزيق الإعلانات التي كان يُعلِقها جيش العدو؛ يُحرض  فيها الأهالي ضد المجاهدين والتي كان أطفال المزابيين يمزقونها في فجر كل يوم عند خروجهم من المدرسة القرآنية في مدينة العلمة، حيث شوهد الطفل "داود يوسف" في اليوم الموالي مع عساكر العدو تجوب به شوارع المدينة وفي ظهره إعلان مِن التي كان يمزقها وهو في حالة يرثى لها وكلابهم تنبح عليه، فاختفى بعد ذلك وقيل أنه قُتِل تحت التعذيب أثناء استنطاقه.  
لم يكن دور المزابيين مقتصر على العمل المسلح فحسب، بل كان لهم دور أيضًا في الحياة السياسية، حيث بادرت الجماعة المزابية في مدينة سطيف على استقدام المجاهد "فرحات عباس" وهو من مواليد بلدية الطاهير بولاية جيجل، بعد تخرجه من جامعة الجزائر كصيدلي واتفقوا معه على الإقامة في سطيف سنة 1933 وتكفلوا بإيواءه حتى فتح صيدليته المشهورة في شارع عميروش (Rue valeé سابقا)، وهو المثقف الذي دخل العمل السياسي وشارك في إنشاء عدة جمعيات وأحزاب سياسية، ثم أُنتخب كأول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة في المنفى، وبعد الإستقلال أُنتخب كأول رئيس للمجلس الشعبي الوطني، وبعد عام استقال واعتزل العمل السياسي وبقي على صلة وثيقة وصداقة مع المزابيين، وكانت له زيارة إلى مزاب والتقى مع أعيان المدينة وعلى رأسهم "الشيخ بيوض" رحمه الله، وكان المجاهد "فرحات عباس" إضافة مهمة وعَلَمٌ من أعلام سطيف وسُميت باسمه جامعة المدينة.
من معالم مدينة سطيف نوافير المياه وكانت تسمى بمدينة "السبع عيون"، منها ما هو موجود إلى يومنا هذا كـ: عين الفوارة وعين الدروج.. ومنها ما اندثر كـ: عين بوعروه وعين المزابي المشهورة والتي يُنسب إليها حيٌّ من الأحياء العريقة المعروفة في مدينة سطيف.

شاركنا بتعليقك