إسهامات

".. كما قمت بنصيبي في التصدّي إلى الدفاع عن مقبرة الإباضيين القديمة في مدينة قسنطينة أمام محاكم الاستعمار. حيث طلب غلاتها شقّ طريق في وسط تلك المقبرة، ووافقت بلدية قسنطينة على ذلك المشروع تحت إشراف شيخ البلدية الفرنسوي السيد "مورينو"، الذي كان في آن واحد رئيس البلدية، وعضوا في مجلس النواب بباريس.

فرفعت جماعتنا قضيةً ضد تلك البلدية أمام محكمة قسنطينة، فأيدت المحكمة قرار المجلس البلدي بمعاضدة المسمّی "کیطولي" رئيس بلدية سكيكدة، وعضو مجلس الشيوخ بباريس.

فوقع رفع القضية إلى مجلس الاستئناف بالجزائر العاصمة، فوافقت على حكم محكمة قسنطينة، فلم تفتر عزيمة جماعة قسنطينة، فرفعت القضية أمام محكمة النقض والإبرام بباريس، وما ضاع حق وراءه طالب، فأصدرت حكمها بإلغاء قرار بلدية قسنطينة، وبنقض الحكم الصادر من محكمة الجزائر، حيث أن أرض المقبرة حازتها الجماعة بطريق الشراء في زمن البايات لا بطريق الهبة من البلدية. ودام هذا الخصام مدة عشر سنين، إلى ربيع سنة 1935م.

وبعد هذا النصر المبين طلبت مني جماعة قسنطينة السفر إلى باريس لاستلام ملف القضية والحكم من طرف وكيلنا بها، فاغتنمها فرصة سانحة لزيارة ما وراء البحار، ولأول مرة للاطلاع على الحضارة الأوروبية، فسافرت بحرا من الجزائر إلى مرسيليا، ومنها إلى مدينة نيس، وبعض مدن جنوب فرنسا، ومنها توجهت شمالا إلى مدينة GRENOBLE الموجودة قرب حدود سويسرا، فقرأت في إحدى جرائدها إعلانا بانعقاد مؤتمر مسلمي أوروبا في مدينة جنيف السويسرية تحت رئاسة الأمير شكيب أرسلان، وذلك من يوم 12 إلى يوم 15 سبتمبر 1935م، فتوجهت إلى تلك المدينة، وشاركت في ذلك المؤتمر بصفتي جزائريا من سلك القضاء الإسلامي، وألقيت فيه خطابا ارتجاليا بالعربية، تحت عنوان "المحاكم الإسلامية بالجزائر" فبلغ حد الإعجاب من جميع الحاضرين، ولا سيما شكيب أرسلان، الذي كان يظن أن الجزائريين لا يحسنون الخطب إلا بالفرنسية.

[زيادة من الفيديو: فصفق لي الجميع، واستدعاني إلى وليمة غداء بداره، وأهدى لي خاتما ثمينا. وقبل أن ألقي الخطاب سمعت خطابا لمصالي الحاج بالفرنسية، لم يرق رئيس المؤتمر، فقال له: أنتم الجزائريون أسود بالفرنسية، ولكن في العربية فأنتم عدم، فكان هذا الحديث تحفيزا لي على النشاط والمشاركة].

وبعد انتهاء ذلك المؤتمر توجهت إلى مدينة LYON ومنها إلى باريس، فتقابلت مع وكيلنا، فأظهر إعجابه بتقاريرنا، ولا سيما تقرير الشيخ أبي اليقظان رحمه الله، الذي شرح فيه نظام المزابيين الإباضيين القاطنين بالتراب الجزائري.

وقد ترجمناه إلى الفرنسية، فطلب مني الشيخ الاحتفاظ بتلك النسخة التي كان يعدها وثيقة مهمة، فتسلمت الملف وتوجهت من باريس إلى BRUXCELLE عاصمة بلجيكا لمشاهدة المعرض العالمي للصناعات، على طريق الجو، لأول مرة في حياتي.

وبعد رجوعي إلى باريس قفلت راجعا إلى مدينة قسنطينة حامدا شاكرا للمولى على ما أنعم به علي من ألطافه الربانية، وقدمت الملف إلى جماعة قسنطينة.

فوجدت في انتظاري ترقيتي إلى منصب باش عادل خلفًا للسيد بابكر مسعود بن الحاج محمد الذي كان باش عدل بقسنطينة وارتقى إلى منصب قاضي بغرداية. فأديت اليمين يوم 19/09/1935."

-بتصرف-

المصدر: كتاب "الشيخ بابا تامر بوعروة حياته وآثاره"، الشيخ حمو بن عمر فخار، ص27-29.

شاركنا بتعليقك